قال (المبحث الخامس) (لا يمتنع تكليف ما لا يطاق، و لا تعلل أفعاله
بالأغراض خلافا للمعتزلة، و عمدتهم أن تكليف ما لا يطاق سفه، و الفعل الخالي عن
الغرض عبث، فلا يليق بالحكيم، و قد عرفت ضعفهما).
جعل أصحابنا جواز تكليف ما لا يطاق و عدم تعليل أفعال اللّه تعالى
بالأغراض من فروع مسألة الحسن و القبح، و بطلان القول، بأنه يقبح منه شيء، و يجب
عليه فعل أو ترك، لأن المخالفين إنما عولوا في ذلك على أن تكليف ما لا يطاق سفه، و
الفعل الخالي عن الغرض فيما شأنه ذلك عبث، و كلاهما قبيح، لا يليق بالحكمة، فيجب
عليه تركه. و المعتزلة منهم من ادعى العلم الضروري بقبح تكليف ما لا يطاق، حتى زعم
بعض[1]جهلتهم أن غير العقلاء كالصبيان و المعاينة، يستقبح ذلك، بل البهائم
أيضا بلسان الحال حيث يحاربون بالقرون و الأذناب و كثير من الأعضاء عند عدم
الطاقة، و أنت خبير بأن هذا منافرة للطبع و ألم و مشقة و تضرر لا قبح بالمعنى
المتنازع، و منهم من أثبته بقياس الغائب على الشاهد، فإن العقلاء حتى الذاهلين عن
النواهي الشرعية، بل المنكرين للشرائع يستقبحون تكليف الموالي عبيدهم ما لا
يطيقونه، و يذمونهم على ذلك، معللين بالعجز و عدم الطاقة.
و الجواب: أن ذلك من جهة قطع المستقبحين بأن أفعال العباد معللة
بالأغراض و أن مثل ذلك مناف لغرض العامة، و مصلحة العالم، و لا كذلك تكليف علام
الغيوب إما لتنزه أفعاله من[2]الغرض
و إما لقصده حكما و مصالح لا تهتدي إليها[3]العقول.