ليس مما أمر الشارع به، و حكم بأن[1]فاعله يستحق المدح، و تاركه الذم عند اللّه تعالى و المعتزلة إنما
يقولون بالوجوب بمعنى استحقاق تاركه الذم عند العقل، أو بمعنى اللزوم عليه كما في
تركه من الإخلال بالحكمة.
قلنا:على الأول لا نسلّم أنه يستحق الذم عقلا[2]على فعل أو ترك، فإنه المالك على الإطلاق. و على الثاني لا نسلم أن
شيئا من أفعاله يكون بحيث يحل تركه بحكمة لجواز أن يكون له في كل فعل أو ترك حكم و
مصالح لا تهتدي إليها العقول، فإنه الحكيم الخبير على أنه لا معنى للزوم عليه[3]إلا عدم التمكن من الترك، و هو ينافي الاختيار. و لو سلّم فلا يوافق
مذهبهم أن صدور الفعل عنه على سبيل الصحة من غير أن ينتهي الوجوب. و لهذا اضطر
المتأخرون منهم إلى أن معنى الوجوب على اللّه أنه يفعله البتة، و لا يتركه، و إن
كان الترك جائزا كما في العاديات. فإنا نعلم قطعا أن جبل[4]أحد باق على حاله لم ينقلب ذهبا و إن كان جائزا.
و الجواب: أن الوجوب حينئذ مجرد تسمية و الحكم بأن اللّه تعالى يفعل
البتة ما سميتموه واجبا جهالة و ادعاء من شرذمة بخلاف العاديات، فإنها علوم ضرورية
خلقها اللّه تعالى لكل عاقل، و العجب أنهم لا يسمون كل ما أخبر به الشارع من
أفعاله واجبا عليه، مع قيام الدليل على أنه يفعله البتة.
[4]الجبل في اللغة: المرتفع الشامخ من
الأرض، و ضده السهل و الجمع جبال و يقال للجبال الأعلام و الأطواد و الرواسى و
جاءت هذه الترادفات جميعا في القرآن، قال تعالى:وَ لَهُ
الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِو قال:فَانْفَلَقَ
فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِو قال:وَ هُوَ
الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ.
و جبل أحد: بالقرب من المدينة تنسب إليه المعركة التي نشبت بين
المسلمين و المشركين من قريش في 11 شوال عام 3 ه مارس 624 م.