و
قوله- تعالى-: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [2] إلى غير ذلك من الآيات الدّالة
على تعجيز الخلق و إيضاح امتناع المعارضة عليهم و أن ذلك مما شاع و ذاع و اشتهر اشتهارا
يتعذر معه الإنكار، كتعذّر إنكار ما علم وجوده بالتّواتر؛ كمكّة، و بغداد.
الدعوى
الرابعة: أنّه لم يوجد لمعجزاته معارض،
أنه
تحدّى بالقرآن، و أن العرب العرباء مع شدة بأسها و عظم مراتبها، و منعتهم عن أن يدخلوا
فى حكم حاكم و تبوئهم عن قبول رسم راسم، فمنهم من أجاب بالقبول، و أذعن بالدخول فى
أحكامه، و مراسمه- صلى الله عليه و سلم- و منهم من أبى إلا القتل و القتال، و الحرب؛
و النّزال فاستنزل بالعنف عن رتبته و أخذه بالقهر مع نبوته. و لو أن ذلك مما لهم سبيل
إلى معارضته، أو إبداء سورة فى مقابلته، مع أنهم أهل اللسان، و فصحاء الزمان؛ لقد بالغوا
فى ذلك مما يجدون إليه سبيلا؛ إذ هو أقرب الطرق إلى إفحامه، و أسهلها فى ردعه، و إلجامه.
و
ادراء لما ينالهم من الذّلّ فى طاعته، و المضار اللازمة لهم بمخالفته من قتل الأنفس،
و نهب الأموال، و استرقاق الأولاد إلى غير ذلك، و حيث التزموا ما ذكرناه من المضار
الموافقة و المخالفة دلّ على عجزهم عن المعارضة قطعا؛ نظرا إلى العادة.
و
إذا ثبتت هذه القواعد، و استقرّت هذه المقدمات؛ لزم أن يكون محمد رسول الله- صلى اللّه
عليه و سلم- رسولا.
و
اعلم أن كل ما يتجه من الشبه على جواز البعثة عقلا؛ فهو متجه هاهنا، و يختص بما نحن
فيه هاهنا شبه.