{ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا... »{1} } فانّ
الموضوع للحجية بمفاد المفهوم هو إتيان غير الفاسق بالنبأ من دون اعتبار
الجهل فيه، وكذا قوله (عليه السلام): «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه
ثقاتنا»{2} فان موضوع الحجية فيه هو رواية الثقة بلا تقييد بأمر آخر، هذا هو المشهور بينهم. وللمناقشة فيه مجال واسع، لأنّ الأدلة الدالة على
حجية الأمارات وإن كانت مطلقةً بحسب اللفظ، إلّاأ نّها مقيدة بالجهل
بالواقع بحسب اللب، وذلك لما ذكرناه غير مرة{3}
من أنّ الاهمال بحسب مقام الثبوت غير معقول، فلا محالة تكون حجية الأمارات
إمّا مطلقة بالنسبة إلى العالم والجاهل، أو مقيدة بالعالم، أو مختصة
بالجاهل. ولا مجال للالتزام بالأوّل والثاني، فانّه لا يعقل كون العمل
بالأمارة واجباً على العالم بالواقع، وكيف يعقل أن يجب على العالم بوجوب
شيء أن يعمل بالأمارة الدالة على عدم الوجوب مثلاً، فبقي الوجه الأخير،
وهو كون العمل بالأمارة مختصاً بالجاهل، وهو المطلوب.
فدليل الحجية في مقام الاثبات وإن لم يكن مقيداً بالجهل، إلّاأنّ الحجية
مقيدة به بحسب اللب ومقام الثبوت، مضافاً إلى أ نّه في مقام الاثبات أيضاً
مقيد به في لسان بعض الأدلة كقوله تعالى: { «فَاسْأَ لُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ »{4} } فقد
استدل به على حجية الخبر تارةً، وعلى حجية فتوى المفتي اُخرى، وكلاهما من
الأمارات وقيّد بعدم العلم بالواقع. فلا فرق بين الأمارات