الجهة الثالثة: فيما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة، ويقع الكلام فيها في مقامين: أحدهما: في بيان ما يدل على انفعاله.
و ثانيهما: في معارضته لما دلّ على عدم الانفعال.
أمّا المقام الأول: فالمعروف بين الأصحاب المتقدمين منهم والمتأخرين أن
القليل ينفعل بملاقاة النجس، وخالفهم في ذلك ابن أبي عقيل فذهب إلى عدم
انفعاله بشيء{1}، ووافقه على ذلك المحدث الكاشاني(قدس سره){2}.
و الذي يقتضي الحكم بانفعال القليل عدّة روايات ربّما يدعى بلوغها ثلاثمائة
رواية كما حكاه شيخنا الأنصاري(قدس سره)في طهارته عن بعضهم{3}.
وهي وإن لم تبلغ تلك المرتبة من الكثرة إلّا أن دعوى تواترها إجمالاً
قريبة جدّاً، لأنّ المنصف يرى من نفسه أنّه لا يحتمل الكذب في جميع هذه
الروايات، على أن فيها صحاحاً وموثقات ومعهما لا يهمنا إثبات تواترها
الإجمالي فإنهما كافيتان في إثبات الحكم شرعاً.
الأخبار الدالّة على انفعال القليل
و من تلك الأخبار صحيحة محمد بن مسلم وغيرها الواردة بمضمون«أن الماء إذا
بلغ قدر كر لا ينجسه شيء». وهذا المضمون قد ورد ابتداءً في بعضها{4}و بعد السؤال عن الماء الذي تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب في بعضها الآخر{5}و في ثالث بعد السؤال عن الوضوء من الماء الذي تدخله الدجاجة والحمامة وأشباههما وقد وطأت عذرة{6}.