صدور
الفسق منه مثل ما لو رأيناه يشرب مائعاً وشككنا في أنّه نجس وهو عالم
بالنجاسة فيشربها عاصياً، أم أنّه جاهل. وبين الشبهة الحكمية بأن صدر منه
فعل ولم يعلم حرمته في الشريعة المقدّسة كما لو رأيناه يشرب النبيذ عالماً
بكونه نبيذاً، ولم ندر أنّه يرى حلّيته اجتهاداً أو تقليداً فلا يضرّ
بعدالته، أم أنّه يرى حرمته فيشربه على جهة المعصية.
ففي جميع ذلك بما أنّ الحرام الواقعي بنفسه لا يوجب العصيان ولا يترتّب
عليه الإثم ما لم يتنجّز على المكلّف بعلم أو علمي، ولم يعلم صدور الفعل
منه على جهة المعصية، فلا مانع من استصحاب العدالة.
و ليس ذلك من جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية أو الشبهة المفهومية،
لوضوح أنّ مجرى الاستصحاب هي العدالة، التي هي موضوع خارجي، والشبهة في
الحكم أو المفهوم أو الموضوع من مناشئ الشكّ في العدالة وأسبابه، وليست هي
مجرى للأصل، فلا ينافي ذلك ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب في الشبهة
الحكمية ولا المفهومية، التي لا يقول بجريان الاستصحاب فيها غيرنا أيضاً.
نعم، يمكن فرض الشبهة المفهومية في نفس العدالة بناءً على التشكيك في
حقيقتها، وأنّها عبارة عن الاجتناب عن الكبائر، أو هي مع الصغائر{1}كما
عليه المشهور، فرأينا صدور الصغيرة منه كالنظر إلى الأجنبيّة وبذلك شككنا
في بقاء عدالته، فإنّه لا مجال لاستصحابها حينئذ، لما هو المحقّق في محلّه
من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية{2}.
و أمّا بناءً على ما هو التحقيق من إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة، وأنّ
المعاصي كلّها من الكبائر على ما مرّ الكلام عليه عند البحث عن حقيقة
{1}[الموجود في الأصل: أو هي مع الإصرار على الصغائر. ولعلّ الصحيح ما أثبتناه].