وقد فتح الأُمويّون والعبّـاسـيّون وغيرُهم الفتوح ، ومصّروا الأمصار ، طلباً للمُلك والعـزّ .
أخرج أحمد في " مسنده "[1] ، عن أبي بكرة ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : " إنّ الله تبارك وتعالى سـيؤيّد هذا الدين بأقوام لا خَلاق لهم " .
وروى البخاري[2] : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " إنّ الله يؤيّد الدين بالرجل الفاجر " .
ودعوى أنّه أقام قواعد السُـنّة ممنوعة ; لِما رأيناه من تبديله إيّاها ، وتشريعه خلاف ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حسـب ما تهواه نفسه ، وتقتضيـه سياسـته ـ كمـا ستعرف ـ وإنّما أقـام قواعد مُلكه ، وحاط الدين مـا درّت محالبه .
وقوله : " وسـيرته في الخلافة غنـيّـة عن الذِكر " . .
لعلّه يريد به ما كان يصنعه مع الناس من الإهانة والتحقير ، والجفاء والضرب ، بلا موجب[3] .
[2] في باب إنّ الله يؤيّد الدينَ بالرجل الفاجر من كتاب الجهاد ، وفي باب غزوة خيبر من كتاب المغازي [4 / 166 ح 259 و ج 5 / 277 ح 225] . منـه (قدس سره) .
[3] فمن ذلك ما رووه أنّ عمر بن الخطّاب كان قاعداً ، ومعه الدرّة ، والناس حوله ، إذ أقبل الجارود ، فقال رجل : هذا سـيّد ربيعة ; فسمعه عمر ومَن حوله ، وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة ، فقال : ما لي ولك يا أمير المؤمنين ؟ ! فقال : ما لي ولك ؟ ! أمَا لقد سمعتَها ! قال : سمعتُها فَمَـهْ ؟ ! قال : خشـيتُ أن يخالط قلبك منها شيء ، فأحببتُ أن أُطأطئ منك .
انظر : مناقب عمر ـ لابن الجوزي ـ : 203 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 12 / 73 ، كنز العمّال 3 / 809 ح 8830 .
ومن ذلك أنّ عمر كان يأتي مجزرة الزبير بن العوّام بالبقيع ، ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها ، فيأتي معه الدرّة ، فإذا رأى رجلا اشترى لحماً يومين متتابعين ، ضربه بالدرّة ، وقال : ألا طويتَ بطنك يومين ؟ !
انظر : مناقب عمر : 84 ، كنز العمّال 5 / 522 ح 13797 .
ومن ذلك أنّ ابناً له دخل عليه وقد ترجّل ولبـس ثياباً حساناً ، فضربه بالدرّة حتّى أبكاه ، فقالت له حفصة : لِمَ ضربته ؟ ! قال : رأيتُـه قد أعجبته نفسه ، فأحببت أن أُصغّرها إليه .
انظر : تاريخ الخلفاء ـ للسـيوطي ـ : 166 .
ومن ذلك أنّـه عضَّ يدَ ابنه عبيـد الله حتّى صاح ; لأنّـه تكـنّى بأبي عيـسى .
وكان عمر إذا غضب على بعض أهله لم يـشـتفِ حتّى يعضّ يده .
انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 12 / 44 .
ومن ذلك أنّ عمر بن الخطّاب خُـبِّر برجل يصوم الدهر ، فجعل يضربه بمخفقته ، ويقول : كُلْ يا دهر ! كُلْ يا دهر !