هنا كان لعبّاس الشرف والحفاظ موقفه المشهود الذي أظهر فيه من قوّة الإيمان، وغزارة العلم، وعوامل الشهامة، ما أوقف جوالة الفكر، وحيرة نفاذة الحلم، حيث ابتدر الجماعة بقوله: " ولِمَ نفعل ذلك لا أبقانا اللّه بعدك "؟! وتابعه الهاشميّون الصفوة والصحب الأكارم، متخذين قوله حقيقة راهنة، من معلم هذّبته المعرفة، وبصّرته التجارب، وإنّه لم يرد بقوله إلاّ التضحية الخالّصة، والسعادة الخالدة، فأجابوا بما انحنت عليه الأضالع من إيثار موتة العزّ دون سبط الرسول على حياة مخدجة بعده، وإن كانت محفوفة بنعومة من العيش.
فقال آل عقيل: " قبّح اللّه العيش بعدك، نفديك بأنفسنا وأهالينا ".
وقال ابن عوسجة: " لو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت دونك ".
وقال سعيد الحنفي: " أنحن نخلّي عنك؟! لا واللّه حتّى يعلم اللّه أنا قد حفظنا وصيّة رسول اللّه فيك، ولو علمت أنّي أُقتل ثُمّ أُحيى، ثُمّ أُقتل، ثُمّ أُحرق حيّاً، ثُمّ أُذرى يفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثُمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ".