و ما ذنب من يدعو إلى البر و التقى* * * و لم يستطع أن يا رب الشعب يأرب
و قد جربوا فيما مضى غبّ أمرهم* * * و ما عالم أمرا كمن لم يجرب
و قد كان في أمر الصحيفة عبرة* * * متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محى اللّه منها كفرهم و عقوقهم* * * و ما نقموا من باطل الحق معرب
فأصبح ما قالوا من الأمر باطلا* * * و من يختلق ما ليس بالحق يكذب
و أمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا* * * على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبوا يا مسلمين محمدا* * * لذي عربة منا و لا متغرب
ستمنعه منا يد هاشمية* * * مركبها في الناس خير مركب
فلما باداهم أبو طالب بالعداوة، و باداهم بالحرب، عدت قريش على من أسلم منهم فأوثقوه و آذوه و اشتد البلاء عليهم، و عظمت الفتنة فيهم، و زلزلوا زلزالا شديدا. و عدت بنو جمح على عثمان بن مظعون، و فر أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم إلى أبي طالب ليمنعه، و كان خاله فجاءت بنو مخزوم ليأخذوه، فمنعهم، فقالوا: يا أبا طالب منعتنا ابن أخيك، أ تمنع منا ابن أخينا؟! فقال أبو طالب: أمنع ابن اختى مما أمنع ابن أخي، فقال أبو لهب- و لم يتكلم بكلام خير قط، ليس يومئذ-: صدق أبو طالب لا يسلمه إليكم، فطمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع، و رجا نصره و القيام معه، فقال شعرا استجلبه بذلك [68]:
و إن امرأ أبو عتيبة عمّه* * * لفي روضة من أن يسام المظالما
أقول له و أين مني نصيحتي [1]* * * أبا معتب ثبت سوادك قائما
و لا تقبلن الدهر ما عشت خطة* * * تسب بها لما [2] هبطت المواسما
و حارب فإن الحرب نصف و لن ترى* * * أخا الحرب يعطي الضيم إلّا مسالما