ابن إسحاق لها و يقول: أ هو كان يدخل على امرأتي [1]؟. و ربما رمى هشام بن عروة من وراء ذلك إلى الحطّ من منزلة ابن إسحاق لأنه كان مولى، فقد احتل خالد بن الوليد عام 12 ه/ 633 م مدينة عين التمر بالعراق و أسر فتيانا كانوا يدرسون في دير هناك، و كان من هؤلاء سيرين أبو محمد بن سيرين و يسار جدّ محمد بن إسحاق الذي كان مولى قيس بن مخرمة. و يروي الخطيب البغدادي خبرا مفاده أن خيارا والد يسار هو الذي أسر و كان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب ابن عبد مناف. و يبدو أنّ لأصول ابن إسحاق الكتابية أثرا في كتاباته كما يبدو ذلك من قصصه و رواياته عن عصور ما قبل النبي. و يبدو أنه كان يعرف السريانية فربما ظلت تلك اللغة متوارثة في أسرته. على أنه ربما عرف كل ذلك أثناء إقامته بمصر التي امتدت إلى بضع سنوات.
و يمكن فهم نزاعه مع مالك من زاوية أخرى، فقد بلغ مالكا عنه أنه يقول: اعرضوا عليّ حديث مالك فأنا بيطاره! فقال مالك: و ما ابن إسحاق؟! إنما هو دجّال من الدجاجلة! نحن أخرجناه من المدينة [2]. لا مانع من فهم هذا النزاع على أنه نزاع بين أبناء الحرفة الواحدة، و قد كان العلماء قديما يقولون: المعاصرة حجاب! لكننا نحسب أن الأمر يتعدّى ذلك، إذ أنّ طبيعة الكتابة التاريخية التي عمل ابن إسحاق في مجالها أرغمته على التحلّل بعض الشيء من طرائق المحدّثين الشديدة التدقيق، و الحرفية المنحى، و البالغة الإيجاز، و طبيعيّ أن ينظر مالك إلى ذلك كله- و هو المحدّث المتحرّج- نظرة كلها شكّ و ريبة. و الإشارة الأخرى في حديث مالك عن ابن إسحاق بالغة الأهمية، إنه يزعم أنه هو و أمثاله أخرجوا ابن إسحاق من المدينة. لقد كان للنزاع إذن وجه آخر لا يمكن اعتباره علميا محضا بل له جانبه السياسي.