قال الحافظ ابن كثير: في ذلك نظر، و الظّاهر أنّه أراد فرقتين و تكلم ابن القيم على هذه الرّواية فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة و الأعيان أخرى و الأوّل أكثر و من الثّاني «انشقّ القمر مرّتين» أي شقّتين و فرقتين، و قد خفي على بعض النّاس فادّعى أنّ انشقاق القمر وقع مرّتين، و هذا مما يعلم أهل الحديث و السّير أنه غلط، لأنه لم يقع إلّا مرّة واحدة و قال البيهقي: قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة و هم سعيد بن أبي عروبة و معمر بن راشد، و شعبة لكن اختلف عن كلّ منهم في هذه اللّفظة، و لم يختلف على شعبة و هو أحفظهم، و لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنّما فيه «فرقتين أو فلقتين» بالراء أو اللام و كذا في حديث ابن عمر «فلقتين» و في حديث جبير بن مطعم «فرقتين» و في لفظ عنه «فانشقّ باثنتين» و في رواية عن ابن عبّاس عن أبي نعيم في «الدّلائل» «فصار قمرين» و في لفظ: «شقّتين» و عند الطبراني من حديثه «حتّى رأوا شقّين» قال: و وقع في النّظم لشيخنا الحافظ أبي الفضل: و انشقّ مرّتين بالإجماع، و لا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه (صلّى اللّه عليه و سلّم) و لم يتعرض لذلك أحد من شرّاح الصحيحين ثم ذكر كلام ابن القيم و ابن كثير قال: و هذا لا يتجه غيره جمعا بين الروايات قال: ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور و لفظه:
فصار فرقتين فرقة علت* * * و فرقة للطود منه نزلت
و ذاك مرتين بالإجماع* * * و النص و التواتر السّماع
فجمع بين قوله «فرقتين» و بين قوله «مرتين» فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، و وقع في بعض الروايات عن ابن مسعود «و انشقّ القمر و نحن مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) بمنى جزأين» و هذا لا يعارض قول أنس أنّه كان بمكة، لأنّه لم يصرح بأن النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) كان ليلة بمكة، و على تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة، فلا تعارض و قد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال «فرأيته فرقتين».
قال الحافظ: و إنما قال انشق القمر بمكة يعني أن الانشقاق كان و هم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، و قول ابن مسعود «انشق القمر نصفين نصفا على جبل أبي قبيس و نصفا على قعيقعان.
قال الحافظ: و هو محمول على ما ذكرت، و كذا ما وقع في غير هذه الرّواية و مثله روايته عن عبد اللّه بن مسعود و قد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود و قال: «انشقّ القمر على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) و نحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضع أنّ مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، و نحرر أن ذلك وقع و هم ليلتئذ بمنى.