الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره في جميع وجوهه، فإنّ المؤمن، لا يماثله شيء من الجمادات و لا يعادله، و فيه توقير الكبير و تقدم الصغير إيّاه في القول، و أنه لا يبادره بما فهمه و إن ظن أنه الصواب، و فيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب، و اللّه يؤتي فضله من يشاء و استدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها اللّه و ذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، و وجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه و لولده، و ليظهر فضيلة الولد في الفهم في صغره، و ليزداد من النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) حظوة، و لعلّه كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم و فيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر، لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النّعم، مع عظيم مقدارها و غلاء ثمنها. انتهى كلام الحافظ مع تقديم و تأخير.
الثاني: قوله «يتخوّلنا» بالخاء المعجمة أي يتعهدنا.
و الموعظة: النصح و التذكير، قال الحافظ: قال الخطابي: الخائل: بالخاء المعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده و أصلحه، و المعنى كان يراعي الأوقات في تذكيره، و لا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل، و التخون بالنون أيضا و حكى الهروي في الغربيين يتحوّلنا- بالحاء المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة، قلت:
و الصواب من حيث الرواية الأول.
و قوله «علينا» أي الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة فعدّاها بعلى، و الصلة محذوفة، و التقدير من الموعظة [1].
الثالث: قوله: «الفتيا» قال الحافظ: (بضم الفاء)، فإن قلت: الفتوى فتحتها، و المصادر الآتية فوزن فتيا قليلة مثل تقيا و رجعى، و قوله: فجاءه رجل لم أعرف اسم هذا السائل و لا الذي بعده، و الظاهر أن الصحابي لم يسمّ أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك، و قوله «و لا حرج» أي لا شيء عليك من الإثم لا في الترتيب و لا في ترك الفدية، هذا ظاهر، و قول بعض الفقهاء: المراد في الإثم فقط، و فيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة: و لم يأمر بكفارة.
الرابع: قوله «لا أكاد أدرك الصلاة» قال الحافظ: قال القاضي عياض: ظاهره مشكل، إذ
عن أنس عن النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) «يسروا و لا تعسروا و بشروا و لا تنفروا»
لما كانت النذارة هي في ابتداء التعليم توجب النفرة، قوبلت البشارة بالتنفير، و المراد تأليف من قرب إسلامه، و ترك التشديد عليه في الابتداء، كما أن الزجر عن المعاصي يكون بتلطف ليقبل، و كذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتداؤه سهلا حبّب إلى من يدخل فيه، و تلقاه بانبساط و كانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف قصده انتهى.