ذكر بلوغ خبر خروج رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- إلى المشركين
روى الخرائطي في الهواتف عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا توجّه رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- يريد مكة عام الحديبية، قدم عليه بشر- بكسر الموحدة و المعجمة- بن سفيان العتكي، فقال له: «يا بشر هل عندك علم أن أهل مكّة علموا بمسيري؟»
فقال بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا و قريش في أنديتها، إذ صرخ صارخ من أعلى جبل أبي قبيس- ليلة أمر رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بالمسير بصوت أسمع أهل مكة:
هيوا لصاحبكم مثلي صحابته* * * سيروا إليه و كونوا معشرا كرما
بعد الطّواف و بعد السّعي في مهل* * * و أن يحوزهم من مكّة الحرما
شاهت وجوهكم من معشر تكل* * * لا ينصرون إذا ما حاربوا صنما
فارتجت مكة، و اجتمع المشركون، و تعاقدوا ألّا يدخل عليهم بمكة في عامهم هذا، فبلغ رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)-
فقال: «هذا الهاتف سلفع. شيطان الأصنام يوشك أن يقتله اللّه- تعالى- إن شاء اللّه عز و جل»
فبينما هم كذلك إذ سمعوا من أعلى الجبل صوتا و هو يقول:
شاهت وجوه رجال حالفوا صنما* * * و خاب سعيهم ما قصّر الهمما
و قد أتاكم رسول اللّه في نفر* * * و كلّهم محرم لا يسفكون دما
قالوا: و لما بلغ المشركين خروج رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- راعهم ذلك فاجتمعوا و تشاوروا فقالوا:
أ يريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا فتسمع العرب أنّه قد دخل علينا عنوة، و بيننا و بينه من الحرب ما بيننا؟! و اللّه لا كان هذا أبدا و منّا عين تطرف.
ثم قدّموا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم، و استنفروا من أطاعهم من الأحابيش، و أجلبت ثقيف معهم و خرجوا إلى بلدح، و ضربوا بها القباب و الأبنية، و معهم النساء و الصّبيان، فعسكروا هناك، و أجمعوا على منع رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- من دخول مكة و محاربته، و وضعوا العيون على الجبال، و هم عشرة أنفس يوحي بعضهم إلى بعض الصوت الخفي فعل
[1] أخرجه البخاري 4/ 12 (1814، 1815)، و مسلم 2/ 861 (83/ 1201).