يزداد الأمر في نفسي إلّا قوّة، فلمّا اختلط النّاس، اقتحم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- عن بغلته، و أصلتّ السّيف، و دنوت منه، أريد ما أريد- و في رواية فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فإذا العبّاس قائم عليه درع بيضاء، فقلت: عمّه لن يخذله، فجئته من عن يساره، فإذا بأبي سفيان بن الحارث فقلت: ابن عمه لن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوّره سورة بالسّيف إذ رفع إليّ فيما بيني و بينه شواظ من نار كأنّه برق. فخفت أن يتمحشني فوضعت يدي على بصري، خوفا عليه»، و مشيت القهقري، و علمت أنّه ممنوع. فالتفت إليّ و قال: «يا شيب أدن مني» فدنوت منه، فوضع يده على صدري و قال: «اللّهمّ أذهب عنه الشّيطان». فرفعت إليه رأسي و هو أحب إليّ من سمعي و بصري و قلبي، ثم قال: «يا شيبة قاتل الكفّار» قال: فتقدّمت بين يديه أحبّ- و اللّه- أن أقيه بنفسي كلّ شيء، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله و دخلت عليه فقال: «الحمد للّه الّذي أراد بك خيرا ممّا أردت» [1] ثمّ حدثني بما هممت به- (صلّى اللّه عليه و سلم).
ذكر ارادة النضير بن الحارث الفتك برسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و ما وقع في ذلك من الآيات
قال محمد بن عمر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال: كان النضير من أحلم قريش. و كان يقول: الحمد للّه الذي أكرمنا بالإسلام و منّ علينا بمحمد- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و لم نمت على ما مات عليه الآباء، فذكر حديثا طويلا، ثم قال: خرجت مع قوم من قريش، هم على دينهم- بعد- أبو سفيان بن حرب، و صفوان بن أميّة، و سهيل بن عمرو، و نحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير، فلما تراءت الفئتان و نحن في حيز المشركين حملت هوازن حملة واحدة، ظننّا أنّ المسلمين لا يجبرونها أبدا، و نحن معهم و أنا أريد بمحمد ما أريد. و عمدت له فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه، فأقبلت عامدا إليه، فصاحوا بي: إليك، فأرعب فؤادي و أرعدت جوارحي. قلت: هذا مثل يوم بدر، إنّ الرّجل لعلى حقّ، و إنه لمعصوم، و أدخل اللّه تعالى في قلبي الإسلام و غيّره عما كنت أهم به، فما كان حلب ناقة حتى كرّ أصحاب رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- كرّة صادقة، و تنادت الأنصار بينها: الكرة بعد الفرّة: يا للخزرج، يا للخزرج، فحطمونا حطاما، فرقوا شملنا، و تشتت أمرنا، و همّة كلّ رجل نفسه فتنحيت في غبّرات الناس حتى هبطتّ بعض أودية أوطاس فكمنت في خمر شجرة لا يهتدي إليّ أحد إلّا أن يدلّه اللّه- تعالى- عليّ، فمكثت فيه أيّاما و ما يفارقني الرّعب مما رأيت، و مضى رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- إلى الطّائف، فأقام ما أقام، ثمّ رجع إلى الجعرّانة، فقلت: لو صرت إلى الجعرانة، فقاربت رسول
[1] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 188، و المغازي للواقدي 3/ 910.