لم يستحق الألوهية، و إخلاء الجملة من العاطف، لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها.
(لم يلد): المفعول محذوف أي لم يلد أحدا، و الأصل يولد، حذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة و لام مكسورة فصار مثل «يعد». (و لم يولد): النائب عن الفاعل محذوف أي لم يلده أحد، و ثبتت الواو في يولد لأنها لم تقع بين ياء مفتوحة و كسرة. و لما كان الرّبّ سبحانه و تعالى واجب الوجود لذاته قديما، موجودا قبل وجود الأشياء، و كان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية، و لما كان لا يشبهه أحد من خلقه و لا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد، انتفت عنه الوالدية، و من هذا قوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ [الأنعام 101]، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ: أي لم يكن له أحد يكافئه أي يماثله من صاحبة و غيرها «و له» متعلق ب- «كفوا» و قدّم عليه لأنه محطّ القصد، و أخّر «أحد» و هو اسم «يكن» عن خبرها رعاية للفاصلة. و لاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية و الرّدّ على من ألحد فيها، جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن فإن مقاصده محصورة في بيان الأحكام و القصص، و من عدلها اعتبر المقصود بالذات [1]. قال ابن إسحاق: «فلما تلاها عليهم، قالوا:
«فصف لنا يا محمد ربّك كيف خلقه، كيف ذرعه، كيف عضده»؟ فغضب النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) أشدّ من غضبه الأول، و ساورهم غضبا لربّه. فأتاه جبريل، فقال له مثل مقالته و جاءه من اللّه تعالى بجواب ما سألوه عنه. وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر 67]، أي ما عرفوه حقّ معرفته و ما عظّموه حق عظمته حين أشركوا به و شبّهوه بخلقه. وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً، جميعا:
حال، أي السّبع، قَبْضَتُهُ أي مقبوضة له أي في ملكه و تصرّفه يوم القيامة، وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ أي مجموعات، «بيمينه» أي بقدرته سبحانه و تعالى عما يشركون معه.
تنبيه: كذا ذكر ابن إسحاق سبب نزول هذه الآية. و روى الشيخان و غيرهما عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في سبب نزولها غير ذلك و اللّه أعلم.
[1] قال الرازي: اشتهر في الأحاديث أن قراءة هذه السورة تعدل قراءة ثلث القرآن، و لعل الغرض منه أن المقصود الأشرف من جميع الشرائع و العبادات، معرفة ذات اللّه و معرفة صفاته و معرفة أفعاله، و هذه السورة مشتملة على معرفة الذات، فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، و أما سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: 1] فهي معادلة لربع القرآن، لأن المقصود من القرآن إما الفعل و إما الترك و كل واحد منهما فهو إما في أفعال القلوب و إما في أفعال الجوارح فالأقسام أربعة، و سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب، فكانت في الحقيقة مشتملة على ربع القرآن، و من هذا السبب اشتركت السورتان أعني قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في بعض الأسامي فهما المقشقشتان و المبرئتان، من حيث إن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى اللّه تعالى، إلا أن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ يفيد بلفظه البراءة عما سوى اللّه و ملازمة الاشتغال باللّه و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يفيد بلفظه الاشتغال باللّه و ملازمة الإعراض عن غير اللّه أو من حيث إن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى اللّه، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تفيد براءة المعبود عن كل ما يليق به. اه- تفسير الرازي 32/ 192.