و قال (صلّى اللّه عليه و سلم): «ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون اللّه، أعظم عند اللّه من هوى متّبع» [2]. رواه الطبراني عن أبي أمامة.
و قال بعض الحكماء: «الهوى خادع الألباب، صادّ عن الصواب، يخرج صاحبه من الصّحيح إلى المعتلّ، و من الصريح إلى المختلّ، فهو أعمى يبصر، أصم يسمع». كما
قال النبي (صلّى اللّه عليه و سلم): «حبّك الشيء يعمي و يصم» [3].
و قال آخر: «على قدر بصيرة العقل يرى الإنسان الأشياء، فمن سلم عقله من الهوى يراها على حقيقتها، و النفس الكدرة المتبعة لهواها ترى الأشياء على طبعها. و قيل كان على خاتم بعض الحكماء: «من غلب هواه على عقله افتضح». و قال ابن دريد في مقصورته:
و آفة العقل الهوى فمن علا* * * على هواه عقله فقد نجا
الثامن: في الكلام على قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 4].
الإمام الرازي: «هذا تكملة للبيان، و ذلك أنّ اللّه تعالى لما قال: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى كأَنّ قائلا يقول فعمّ ذا ينطق، أعن الدليل و الاجتهاد؟ فقال: لا، إنما ينطق عن حضرته تعالى بالوحي، و هذا اللفظ أبلغ من أن لو قيل: هو وحي يوحى. و كلمة «إن» استعملت مكان «ما» للنّفي، كما استعملت «ما» للشرط مكان «إن».
اللباب: «يوحى صفة لوحي، و فائدة المجيء لهذا الوصف أنه ينفي المجاز، أي هو وحي حقيقة لا مجرّد تسمية كقولك: هذا قول يقال. و قيل تقديره: يوحى إليه، ففيه مزيد فائدة». و نقل القرطبي عن السجستاني أنه قال: «إن شئت أبدلت إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى من ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ قال ابن الأنباري: و هذا غلط لأن إن الخفيفة لا تكون مبدلة من «ما» بدليل أنك لا تقول: و اللّه ما قمت إن أنا لقاعد».
ابن القيّم: «أعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي ما نطقه إلا وحي يوحى، و هذا أحسن من قول من جعل الضمير عائدا إلى القرآن فإنه يعمّ نطقه بالقرآن و السّنّة، و أن
[1] ذكره العجلوني 1/ 386 بنحوه و عزاه للبزار و الطبراني عن أنس بسند ضعيف.
[2] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 715 و الفتني في تذكرة الموضوعات (172) و ذكره الهيثمي في المجمع 1/ 188.
[3] أخرجه أبو داود (5130) و أحمد في المسند 5/ 194 و الخطيب في التاريخ 3/ 117 و ذكره العجلوني في الكشف 1/ 410 و قال: قال في المقاصد: رواه أبو داود و العسكري عن أبي الدرداء مرفوعا و موقوفا و الوقف أشبه، و في سنده ابن أبي مريم ضعيف، و رواه أحمد عن ابن أبي مريم فوقفه، و الرفع أكثر و لم يصب الصغاني حيث حكم عليه بالوضع، و كذا قال العراقي ابن أبي مريم لم يتهمه أحد بكذب إنما سرق له حلى فأنكر عقله، و قال الحافظ ابن حجر: تبعا للعراقي و يكفينا سكوت أبي داود عليه فليس بموضوع و لا شديد الضعف فهو حسن انتهى. و قال القاري: بعد أن ذكر ما تقدم فالحديث إما صحيح لذاته أو لغيره مرتق عن درجة الحسن لذاته إلى صحة معناه، و إن لم يثبت مبناه.