الباب الرابع عشر في إعلامه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- ابنته فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها- بموته
روى الخمسة و الطبراني و ابن حبان و الحاكم عن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- قالت: اجتمع نساء رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- لم يغادر منهم امرأة في وجعه الذي مات فيه و ما رأيت أحدا أشبه سمتا و هديا و دلّا برسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- في قيامها و قعودها من فاطمة، و كانت إذا دخلت عليه قام إليها و قبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان إذا دخل عليها فعلت ذلك، فلما مرض جاءت تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فقال: مرحبا يا بنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله فأكبت عليه تقبّله، فسارّها بشيء، فبكت، ثم سارّها فضحكت فقلت:
ما رأيت اليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عن ذلك قلت لها: ما خصك رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بالسّرار و تبكين فلما أن قامت قلت لها: أخبريني بما سارّك؟ قالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فلما أن توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت أما الآن فنعم: سارّني فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرّة، و إنه عارضني العام مرتين، و إنه لم يكن نبيّ كان بعده نبي إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله، و لا أرى ذلك إلا اقترب أجلي- و في لفظ- فقالت إنه أخبرني أنه يقبض في وجعه، فاتقي الله و اصبري، إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المؤمنين أعظم رزنة منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارني فقال: أ ما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمّة- و في لفظ- «أخبرني أني أوّل أهله لحوقا به، فضحكت ضحكي الذي رأيت».
تنبيهات
الأول: قال الحافظ: اتفقت الروايات على أن الذي سارها به أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت في مرضه ذلك، و اختلف فيما سارّها به فضحكت.
ففي رواية عروة أنه إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به.
و في رواية مسروق بأنه إخباره إياها أنها سيّدة نساء أهل الجنّة، و جعل كونها أول أهله لحوقا به مضموما إلى الأول و هو الراجح، و يحتمل تعدد القضية.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
«السمت»:- بسين مهملة مفتوحة فميم ساكنة: الطريق و هيئة أهل الخير و الهدي.
ساره في أذنه سارة و سرارا بكسر السين، و تسارّوا: أي تناجوا.