و كان (بفصّ) [1] خاتمه: محمّد رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و يتختّم في يساره، و كان ممن جمع القرآن في حياة رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-.
و ركب مرّة حمارا، و دلّى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الّذي أهنت الدنيا،
و كان يقول: تعلموا العلم تعرفوا به، و اعملوا به تكونوا من أهله، فإنّما أهله الذين يعملون به، و سيأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحقّ تسعة أعشاره،
و صعد يوما المنبر فحمد اللّه، و أثنى عليه، و صلى على رسوله- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و ذكر الموت، فقال: عباد اللّه، الموت ليس فيه فوت، ثم قال: فالنّجاء النّجاء، و الرّجاء الرّجاء، وراءكم طالب حثيث، القبر فاحذروا ضمّته و وحشته، ألا و إنّ القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ألا أنه يتكلّم في ذلك اليوم ثلاث مرات، فيقول: أنا بيت الظّلمة، أنا بيت الدّود، أنا بيت الوحشة، ألا و إنّ وراء ذلك يوما يشيب فيه الصّغير، و يسكر فيه الكبير، و تضع كل ذات حمل حملها، و ترى النّاس سكارى و ما هم بسكارى، و لكنّ عذاب اللّه شديد، ألا و إنّ وراء ذلك ما هو أشدّ منه، نار حرّها شديد، و قعرها بعيد، و خازنها مالك، ثمّ بكى و بكى المسلمون حوله، ثم قال: ألا و إنّ وراء ذلك جنّة عرضها السّموات و الأرض أعدّت للمتقين، أحلّنا اللّه و إياكم دار النّعيم، و أجارنا و إيّاكم من العذاب الأليم، و قال لرجل ذمّ الدنيا: الدنيا دار صدق لمن صدقها، و دار نجاة لمن فهم عنها، و دار غناء لمن يتزوّد منها، و مهبط وحي اللّه- عزّ و جل-، و مصلّى ملائكته، و مسجد أنبيائه- (عليهم الصلاة و السلام)- و منجز أوليائه، فيا أيّها الذّامّ للدّنيا المعلّل نفسه حتى خدعتك الدّنيا، لا تغترّبها و لا يغرّنّكم باللّه الغرور، أو كما قال.
و قال: إنّ الزهد في كلمتين من القرآن لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ، وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ/[الحديد 23] و قال: عجبت لمن يدعو و يستبطئ الإجابة، و قد سدّ طرقها بالمعاصي و الذّنوب.
الخامس: فيما حصل له من المشاقّ، و وصيته، و سبب وفاته- رضي اللّه تعالى عنه-
و أخبره- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بأنّه لا يزرأ من الدّنيا شيئا، و لا ترزأ منه الدّنيا فلم يصف الأمر مدة الخلافة، و استنجد أهل الشام و صالوا و جالوا، و كلّما ازداد أهل الشّام قوّة ضعف أمر أهل العراق (فتخلّوا) [2] عنه، و نكلوا عن القيام معه
و كان يكثر أن يقول: ما يحسب أشقاها، أو ما ينتظر، ثم يقول: لتخضبنّ هذه، و يشير إلى لحيته الكريمة، من هذه، و يشير إلى هامته، كما رواه البيهقيّ من طرق.
و روى الخطيب عن جابر بن سمرة- رضي اللّه تعالى عنه- قال: قال رسول