المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «يا حاطب، ما هذا؟!» قال: يا رسول اللّه، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفا و لم أكن من أنفسها، و كان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم و أموالهم، فأحببت أن تكون إذ فاتني ذاك من النّسب فيهم أن أتّخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، و لم أفعله ارتدادا عن ديني، و لا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «أما إنه قد صدقكم»، فقال عمر: يا رسول اللّه، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «إنّه شهد بدرا، و ما يدريك، لعلّ اللّه اطّلع على من شهد بدرا، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!» فأنزل اللّه تعالى هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِإلى قوله:
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ
[الممتحنة 1].
الباب السادس و العشرون في إخباره (صلّى اللّه عليه و سلّم) الأنصار بما قالوه في غزوة الفتح
روى مسلم و الطّيالسي و البيهقي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة: أمّا الرجل فقد أدركته رغبة في قريته و رأفة بعشيرته، و كان الوحي إذا جاء لم يخف علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) حتى ينقضي الوحي فلما رفع الوحي قال: «يا معشر الأنصار، قلتم: أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته، و رأفة بعشيرته كلا فما أسمي إذن كلا، إني عبد اللّه و رسوله المحيا محياكم، و الممات مماتكم»، فأقبلوا يبكون، و قالوا و اللّه، ما قلنا إلا للضن باللّه و رسوله، فقال: «إنّ اللّه و رسوله يصدقانكم و يعذرانكم».
الباب السابع و العشرون في إخباره (صلّى اللّه عليه و سلّم) عثمان بن طلحة بأنه سيصير مفتاح البيت إليه يضعه حيث شاء
روى ابن سعد عن عثمان بن طلحة قال: لقيني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) بمكّة قبل الهجرة فدعاني إلى الإسلام، فقلت: يا محمد، العجب لك حيث تطمع أن أتّبعك، و قد خالفت دين قومك، و جئت بدين محدث و كنا نفتح الكعبة في الجاهليّة يوم الاثنين و الخميس فأقبل يوما يريد الكعبة أن يدخلها مع الناس، فغلظت عليه، و نلت منه و حلم عنّي، ثم قال: «يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح بيدي، أضعه حيث شئت»، فقلت: لقد هلكت قريش، و ذلّت، فقال:
«بل عمرت يومئذ و عزّت». فدخل الكعبة، فوقعت كلمته منّي موقعا، ظننت أن الأمر سيصير