روى الشّيخان عن أنس أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال: «لا تواصلوا»، قالوا: إنّك تواصل قال:
«إنّي لست كأحد منكم، إني أطعم و أسقى، أو إني أبيت أطعم و أسقى»
و رويا عن أبي هريرة- رضي اللّه تعالى عنه- قال نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) عن الوصال في الصّوم، فقال رجل من المسلمين: إنّك تواصل يا رسول اللّه قال: «و أيّكم مثلي، إنّي أبيت يطعمني ربّي و يسقيني».
و الأحاديث في ذلك كثيرة، و قد اختلف في تأويل هذه الأحاديث على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّه على ظاهره و أنّه يؤتى بطعام و شراب من الجنّة، و طعام الجنّة لا يفطر.
الثاني: أن اللّه تعالى يخلق فيه من الشّبع و الرّيّ ما يغنيه من الطّعام و الشّراب.
الثالث: أنّ اللّه تعالى يحفظ عليه قوّته من غير طعام و لا شراب، كما يحفظها بالطّعام و الشّراب، فعبّر بالطّعام و الشّراب عن فائدتهما، و عليه اقتصر ابن العربي و قال الشّيخ عزّ الدين بن عبد السّلام في أماليه: للعلماء فيه مذهبان: قال بعضهم: المراد الطّعام و السّقي الحقيقي، فكأنّه يقول: أنا لا أواصل فإن اللّه يطعمني من غير طعام الدّنيا. و قيل: بل المراد ما يرد عليه من المعارف و المواهب، فإنها تقوت النّفس كما يقوّيها الطّعام، فأطلق عليه الإطعام و السّقي من مجاز التّشبيه. و على هذا الأكثر.
و قال العلّامة الشيخ شمس الدين بن الصّائغ في «الدرر الفريدة» هذا طعام الأرواح و شرابها، و ما يفيض عليها من أنوار البهجة.
لها أحاديث من ذكراك يشملها* * * عن الشّراب و تلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضاء به* * * و من حديثك في أعقابها حادي
و من قال: يأكل و يشرب حقيقة غلط من وجوه.
أحدها: قوله في بعض الرّوايات «أظلّ».
الثاني: أنهم لما قالوا: إنّك تواصل .. قال: «إنّي لست كأحدكم». و لو كان كما قيل لقال: و أنا لا أواصل.
الثالث: أنّه لو كان كذلك لم يصحّ الجواب بالفارق فكأنه (صلّى اللّه عليه و سلّم) مفطر فلا يصحّ النّفي.
انتهى.
قال الإمام الشّافعي- (رحمه اللّه)- و جمهور أصحابه- رضي اللّه تعالى عنهم- أنّ الوصال في حقّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) من المباحات.
و قال إمام الحرمين: هو قربه في حقّه قال: و خصوصيّته (صلّى اللّه عليه و سلّم) بإباحة الوصال على كلّ