و بتحريم الانهزام إذا لقي العدوّ، و إن كثر عليه العدد ذكرهما ابن سراقة في الأعداد، و أبو سعيد في «الشرف».
روى السّلميّ في الحقائق عن الفيروذآبادي في قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال/ 66] قال: هذا التخفيف كان للأمّة دون رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم)، و من لا يثقله حمل أمانة النّبوّة، كيف يخاطب بتخفيف اللّقاء للامتداد؟ و كيف يخاطب و هو الّذي يقول: بك أصول بك أجول؟ و من كان به كيف يخفّف عنه، أو يثقّل عليه؟ و نقله الطيبي من حاشية الكشّاف و أقرّه.
السابعة عشرة:
و بتحريم مدّ العين إلى ما متّع به النّاس قال اللّه- سبحانه و تعالى-: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى [طه/ 131].
و قال تبارك و تعالى وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [الحجر/ 87، 88]. فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي الزجر عن التشوق إلى متاع الدنيا على الدوام، فما الجمع بين ذلك و بين
قوله «حبّب إليّ من دنياكم الطّيب و النّساء، و جعلت قرّة عيني في الصّلاة».
و الجواب: أنه (صلّى اللّه عليه و سلّم) لم يكن متشوّقا إلى زخرف الدنيا و لذّاتها و لقد عرض عليه أن تكون له جبال مكّة ذهبا تسير معه حيث سار فأباها، و اختار الافتقار إلى اللّه تعالى. معلوم أنّ الذّهب يتحصّل به جميع ما يقصده من أعراض الدّنيا و زخارفها، و تقلّله من الدّنيا أمر شائع ذائع أصحّت به الأحاديث. و تقدّم بعض ذلك في باب زهده (صلّى اللّه عليه و سلّم) إذا تقرّر ذلك، فحبّه للنّساء و الطّيب ليس من زهرة الدّنيا و الافتتان، بل هو من أعمال الآخرة المحصّلة لمعالي الدّرجات، و بيان ذلك أنّه حبّب إليه كثرة النّساء، ليطّلعن على ما لديه من بواطن الشّريعة و ظواهرها، فينقلنه و يعلنّه للنّاس، أو يكون التّشريع بسببهنّ، و خصوصا مما يستحيي الرّجال من ذكره و السّؤال عنه، فإنّهنّ كنّ يطّلعن من أحواله (صلّى اللّه عليه و سلّم)، و أقواله على ما لا يطّلع عليه غيرهنّ، فقد تعلّمن عنه (صلّى اللّه عليه و سلّم) ما رأينه في منامه، و حال خلوته من الآيات البيّنات على نبوّته، و من جدّه و اجتهاده، و لم يشاهدها غيرهن، فحصل من ذلك من الفوائد الأخروية ما لا يحصى و أمّا حبّه للطيّب، فلأجل نزول الملك عليه، و ملازمته له بالوحي، و لهذا كان يمتنع من تناول ماله رائحة كريهة، و قال: إنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم، فظهر بذلك أنّ حبّه للنّساء، و الطّيب كان لمصلحة أخرويّة.