في هذا الّذي ذكر ما يدل على الوجوب، فإنّ القائل بالوجوب يحتاج إلى التزام صدور ذلك من النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) في كلّ حالة رأى فيها ما يعجبه، و لم ينقل ذلك، و قد تحقّق له (صلّى اللّه عليه و سلّم) أحوال رأى فيها ما يعجبه و يسرّه مثل يوم بدر، و يوم فتح مكّة و غيرهما. و لم ينقل ذلك، و لو كان واجبا عليه لقاله.
فإن قيل: يحتمل أنّه قاله، و لم ينقل، أو قاله سرّا.
فالجواب: أنّ غالب أحواله و أفعاله (صلّى اللّه عليه و سلّم) متضمنة للسّرور، و لا يخفى مثل ذلك على أصحابه و ملازميه.
تنبيه:
المراد بالإعجاب المذكور آنفا، الإعجاب الأخرويّ، يعني أنّه أعجبه ما هو فيه كثرة الدّاخلين في دين اللّه تعالى أفواجا، و ظهور دين الإسلام على الدّين كلّه، و انتصار دين اللّه تعالى.
الثانية و العشرون:
و بوجوب أن يؤدي فرض الصّلاة كاملة لا خلل فيها.
ذكره النووي و الماورديّ و العراقي شارح المهذّب، و في كلام الإمام ما يرشد إليه، و لم يتعرّض له الشّيخان. و وجهه ظاهر، فإنّ الخلل الحاصل في الصّلاة من تلاعب الشّيطان، و هو معصوم منه (صلّى اللّه عليه و سلّم) بخلاف غيره، و ينبغي أن يتحقق بذلك سائر عبادته (صلّى اللّه عليه و سلّم).
الثالثة و العشرون:
و بوجوب إتمام كلّ تطوّع شرع فيه. و ضعّفه البلقينيّ،
فقد روى مسلم عن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- قالت: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء؟ قالت: ما عندنا شيء قال: فإنّي صائم فخرج رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فأهديت لنا هدية، أو جاء لنا زود قالت: فلمّا رجع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فقلت: يا رسول اللّه، أهديت لنا هدية أو جاءنا زود و قد خبّأت لك شيئا قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائما».
فهذا الحديث صريح الدّلالة على عدم وجوب ذلك عليه، و لزومه كما في حقّنا.
الرابعة و العشرون:
و بوجوب الدّفع بالتي هي أحسن، لأنّه مأمور بذلك، ذكره ابن القاصّ، و أقّرّه ابن الملقّن، و لم يتعرّض لهذا الشيخان. قال اللّه تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت/ 34] و الأمر في الآية للوجوب، و يحتمل النّدب فإن قلنا بالوجوب، فهو بالنّسبة إلى هذه الأمّة بحكم باق مستمر، و أمّا بالنّسبة إلى الكفّار من موادعتهم و ترك التّعرّض لهم فمنسوخ بآية القتال، كما ذكره غير واحد من أئمة التّفسير.
الخامسة و العشرون:
و بتكليف ما كلّفه النّاس بأجمعهم من العلم ذكره ابن القاصّ، و نقله عنه البيهقيّ و ابن الملقّن، و عبارة أبو سعيد في «الشّرف»، و كلّف من العمل بما كلّف النّاس به أجمعون و بين الأمرين فرق.