و الثاني: أنّه لو لم ينكر، لكان يوهم أنّ ذلك جائز، و أنّ أمره بتركه منسوخ، بخلاف الأمّة يسقط عنهم للخوف، و إذا كان المرتكب يزداد إغراء لم يجب كما قاله الإمام الغزاليّ في الإحياء.
التاسعة عشرة:
و بوجوب الوفاء بوعده كضمان غيره، كما ذكره ابن الجوزي و الإسماعيليّ من أئمّتنا و المهلّب بن أبي صفرة فإن قيل: إذا كان وفاؤه بالوعد واجبا، صار بمنزلة ما لو خلف الميت وفاء، فكيف كان يمتنع من الصّلاة على المدين؟ فالجواب: أنّ من حديث جابر و غيره ما يبيّن أن الامتناع كان في أوّل الإسلام، و في المال قلّة، فلما فتح اللّه الفتوح
قال (صلّى اللّه عليه و سلّم): «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم».
العشرون:
و بوجوب قضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح.
روى الشّيخان عن أبي هريرة (رضي اللّه عنه) أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) كان يؤتى بالرّجل الّذي عليه دين فيسأل: «هل ترك لدينه قضاء؟» فإن حدث أنّه ترك وفاء صلّى عليه، و إلّا قال:
«صلّوا على صاحبكم».
فلما فتح اللّه عليه الفتوح قام فقال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي و عليه دين و لم يترك وفاء فعليّ قضاؤه، و من ترك مالا فهو لورثته».
تنبيه:
ظاهر كلام الرّافعيّ و النّووي وجوب الوفاء عليه (صلّى اللّه عليه و سلّم) سواء كان قادرا على الوفاء أو لم يكن قادرا، و يشمل ذلك قبل زمن الفتوح و ضيق الحال، و ليس الأمر كذلك، و إنّما وجب عليه الوفاء عند قدرته عليه بسبب الفتوحات و اتّساع المال، كما صرّح به الإمام، فتكون الخصوصيّة بالنّسبة إلى أواخر الحال.
فائدة: هل كان (صلّى اللّه عليه و سلّم) يقضيه من ماله أو من مال المصالح الذي كان خاصّا به؟ رجّح النوويّ في شرح مسلم الثّاني.
الحادية و العشرون:
قيل و بوجوب قول: لبّيك، إنّ العيش عيش الآخرة إذا رأى ما يعجبه.
و استدل له
بما رواه الشّافعي عن مجاهد قال: كان النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) يظهر من التّلبية، حتّى إذا كان ذات يوم رأى النّاس ينصرفون عنه كأنّه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبّيك، إنّ العيش عيش الآخرة.
و روى الحاكم عن عكرمة عن ابن عبّاس نحوه.
و لما رواه البخاريّ في قصّة الخندق قوله (صلّى اللّه عليه و سلّم): «اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة».