الناسخ و المنسوخ، لأنّ شرط الناسخ أن يتأخّر إنزاله عن المنسوخ.
الثالثة و الثمانون.
و بعموم الدّعوة للناس كافّة. قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] و قال تبارك و تعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1].
روى الشيخان عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «كان النبي يبعث إلى قومه خاصّة، و بعثت إلى النّاس عامة»
قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: الجنّ داخلون في مسمّى النّاس و صرّح به أئمة اللّغة.
و روى أبو يعلى و الطبراني و البيهقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إن اللّه فضل محمدا على أهل السماء، و على الأنبياء. قال ابن عباس، ما فضله على أهل السماء؟ قال:
إنّ اللّه تعالى قال لأهل السّماء: وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 29] قال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [الفتح 1] فقد كتب له براءة، قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: «إن اللّه تعالى قال:
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم 4] و قال لمحمد: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] فأرسله إلى الإنس و الجنّ.
و روى البخاري في تاريخه و البزار و البيهقي و أبو نعيم عنه قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «كان النبي يبعث إلى قومه خاصّة، و بعثت أنا إلى الجنّ و الإنس»
فإن قيل: كان نوح مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطّوفان، لأنّه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، و قد كان مرسلا إليهم فالجواب:
أن عموم هذا الإرسال من نوح لم يكن من أصل البعثة و إنّما اتّفق بالحادث الذي وقع، و هو انحصار الخلق في الموجودين بعد إهلاك سائر الناس.
و ذكر ابن الجوزي أنه كان في الزمن الأول إذا بعث نبيّ إلى قوم بعث غيره إلى آخرين و كان يجتمع في الزّمن الأول جماعة من الرّسل و أمّا نبينا (صلّى اللّه عليه و سلّم) فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك و أما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشّفاعة: أنه أوّل رسول اللّه إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثه بل أوّليّة الرّسالة، و على تقدير أن يكون مرادا فهو بخصوص تخصيصه سبحانه و تعالى في عدة آيات على أنّ إرسال نوح كان إلى قومه، و لم يذكر أنّه أرسل إلى غيرهم، و استدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض و أهلكوا بالغرق إلا أهل السّفينة و لو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء 15] و قد ثبت أنه أوّل الرّسل، و أجيب بجواز أن يكون