هو أعظم من ذلك البراق سار به مسيرة خمسين ألف سنة، في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، و رأى عجائبها، و وقف على الجنة و النار و سخّرت له الرّيح، كما قال تعالى في شأن الأحزاب: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9]
و قال (صلّى اللّه عليه و سلّم): «نصرت بالصّبا، و أهلكت عاد بالدبور» و في الصحيحين: «نصرت بالرّعب مسيرة شهر»
و مضى ذلك أنه إذا قصد قتال قوم من الكفّار ألقى اللّه الرّعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر و لو كانت مسيرة شهر، فهذا في مقابلة غدوّها شهرا، و رواحها شهرا، بل هذا أبلغ في التمّكين و النّصر، و سخّرت لسليمان الجنّ و كانت تعاص عليه حتى يصفّدها و يعذّبها، و نبيّنا (صلّى اللّه عليه و سلّم) أتته وفود الجنّ طائعة مؤمنة، و سخر له الشياطين و المردة منهم، حتى همّ أن يربط الشيطان الذي أخذه بسارية المسجد، و أنزل اللّه تعالى الملائكة المقربين في غير ما موطن كبدر، و أحد، و الأحزاب، و حنين، كما تقدّم مفصلا، و ذلك أعظم و أجلّ من تسخير الشّياطين، قد ثبت في الصحيح أنه إذا دخل شهر رمضان صغّرت الشياطين و مردة الجنّ، و أعطى سليمان النبوّة و الملك، و نبينا (صلّى اللّه عليه و سلّم) خيّر عن ذلك فاختار أن يكون نبيا عبدا.
الباب الخامس عشر في موازاته (صلّى اللّه عليه و سلّم) يحيى بن زكريا علية الصلاة و السلام
و قال أبو نعيم أوتي الحكم صبيا، و كان يبكي من غير ذنب، و كان يواصل الصّوم، و أعطي نبينا (صلّى اللّه عليه و سلّم) أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في عصر الأوثان و الأصنام و الجاهلية، و مع ذلك أوتي الفهم و الحكم صبيا بين عبدة الأوثان، و حزب الشّيطان، فما رغب لهم صنما قط، و لا شهد لهم عيدا، و لم يسمع منه قطّ كذب، و لا عرفت له صبوة، و كان يواصل الأسبوع صوما، و يقول: «إني أبيت يطعمني ربي و يسقيني» و كان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، فإن قيل: كان يحيى حصورا و الحصور الذي لا يأتي النّساء قيل: إن نبينا (صلّى اللّه عليه و سلّم) بعث رسولا إلى الخلق كافّة، و أمر بالنكاح لتقتدي به الخلق فيه لما جبلت عليه النفوس من التّوقان إليه.
الباب السادس عشر في موازاته (صلّى اللّه عليه و سلّم) ما أوتيه عيسى بن مريم (عليه الصلاة و السلام)