قال المقريزي- (رحمه اللَّه)- بعد أن ساق هذا الحديث: «اللفظ لمسلم»، و لفظ مسلم: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، و أبو عامر الأشعري، و محمد بن العلاء [و اللفظ لأبي عامر]، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن بريد عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) قال: إن مثل ما بعثني به اللَّه عزّ و جلّ من الهدى و العلم، كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلا و العشب الكثير، و كان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها، و سقوا، و رعوا، و أصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، و لا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين اللَّه، و نفعه بما بعثني اللَّه به، فعلم، و علّم، و مثل من لم يرفع بذلك رأسا، و لم يقبل هدى اللَّه الّذي أرسلت به».
(مسلم بشرح النووي): 16/ 51- 53، كتاب الفضائل، باب (5)، بيان مثل ما بعث به النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) من الهدى و العلم، حديث رقم (2282).
أما الغيث فهو المطر، و أما العشب و الكلأ و الحشيش، فكلها أسماء للنبات لكن الحشيش مختص باليابس و الرطب. و قال الخطابي و ابن فارس: الكلأ يقع على اليابس، و هذا شاذ ضعيف. و أما الأجادب- فبالجيم و الدال المهملة- و هي الأرض التي تنبت كلأ. و قال الخطابي هي الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع فيه النضوب.
قال ابن بطال، و صاحب المطالع، و آخرون: هو جمع جدب، على غير قياس، كما قالوا في حسن:
جمعه محاسن، و القياس: أن محاسن جمع محسن، و كذا قالوا: مشابه جمع شبه، و قياسه: أن يكون جمع مشبه، قال الخطابي: و قال بعضهم: أحادب- بالحاء المهملة و الدال- قال: و ليس بشيء. قال:
و قال بعضهم: أجارد- بالجيم و الراء و الدال-. قال: و هو صحيح المعنى.
قال الأصمعي: الأجارد من الأرض ما لا ينبت الكلأ، معناه: أنها جرداء هزرة، لا يسترها النبات، قال: و قال بعضهم: إنما هي أخاذات- بالخاء و الذال المعجمتين و بالألف- و هو جمع أخاذة، و هي الغدير الّذي يمسك الماء. و ذكر صاحب (المطالع) هذه الأوجه التي ذكرها الخطابي، فجعلها روايات منقولة.
و قال القاضي في (الشرح): لم يرد هذا الحرف في مسلم و لا في غيره، إلا بالدال المهملة من الجدب، الّذي هو ضد الخصب. قال: و عليه شرح الشارحون. و أما القيعان فبكسر القاف- جمع القاع، و هو الأرض المستوية، و قيل: الملساء، و قيل: التي لا نبات فيها، و هذا هو المراد في هذا الحديث، كما شرح به (صلى اللَّه عليه و سلم)، و يجمع أيضا على أقوع، و أقواع، و القيعة- بكسر القاف- بمعنى القاع. قال الأصمعي: قاعة الدار: ساحتها.
و أما الفقه في اللغة فهو الفهم. يقال منه: فقه- بكسر القاف- يفقه فقها، بفتحها كفرح يفرح فرحا، و قيل: المصدر فقها- بإسكان القاف- و أما الفقه الشرعي، فقال صاحب (العين)، و الهروي، و غيرهما: يقال منه فقه- بضم القاف- و قال ابن دريد: بكسرها كالأول.
و المراد بقوله (صلى اللَّه عليه و سلم): «فقه في دين اللَّه»، هذا الثاني، فيكون مضموم القاف على المشهور، و على
نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 3 صفحه : 98