نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 3 صفحه : 398
من الفرس حتى كان منا على قدر ما يسمعنا صوته، قال: يا أحمد، يا أحمد، اللَّه أعلى و أمجد، أتاك ما وعدك من الخير يا أحمد، ثم ضرب راحلته حتى أتى من ورائنا، فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: الحمد للَّه الّذي هدانا بالإسلام و أكرمنا.
فقال رجل من الأنصار: أنا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا و أعجب، قال عمر: حدّث، قال: انطلقت أنا و صاحبان لي نريد الشام حتى إذا كنا بقفرة من الأرض نزلنا بها، فبينا نحن كذلك لحقنا راكب و كنا أربعة قد أصابنا سغب [1] شديد فالتفت فإذا أنا بظبية عضباء [2] ترتع قريبا مني، فوثبت إليها، فقال الرجل الّذي لحقنا: خلّ سبيلها لا أبا لك، و اللَّه لقد رأيتها و نحن نسلك هذه الطرق و نحن عشرة أو أكثر من ذلك فيختطف بعضنا فما هو إلا أن كانت هذه الظبية فما هاج بها أحد فأبيت و قلت: لا لعمر اللَّه لا أخلها، فارتحلنا و قد شددتها حتى إذا ذهب سدف [3] من الليل إذا هاتف يقول:
يا أيها الركب السراع الأربعه* * * خلوا سبيل النافر المفزعة
خلوا عن العضباء في الوادي سعه* * * لا تذبحن الظبية المروّعه
فيها لأيتام صغار منفعة-
قال: فخليت سبيلها ثم انطلقنا حتى أتينا الشام، فقضينا حوائجنا ثم أقبلنا حتى إذا كنا بالمكان الّذي كنا فيه هتف هاتف من خلفنا:
إياك لا تعجل و خذها من ثقه* * * فإن شر السير سير الحقحقة [4]
قد لاح نجم فأضاء مشرقه* * * يخرج من ظلماء ضوق [5] موبقة [6]
ذاك رسول مفلح من صدّقه* * * اللَّه أعلا أمره و حققه
[1] السّغب: الجوع الشديد، و في التنزيل: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد: 14].
[2] قال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء: أي قصيرة اليد.
[3] السدف: ظلمة الليل، و هو بعد الجنح. (القاموس المحيط): 19/ 146.
[4] الحقحقة: سير الليل في أوله، و قد نهي عنه (المرجع السابق): 10/ 58.
[5] ضوق من الضيقة، و هي منزلة للقمر، و هو مكان نحس على ما تزعم العرب (المرجع السابق):