و خرج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن العاص أن النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) تلى قول اللَّه عز و جل في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ...[3] الآية، و قال عيسى (عليه السلام): إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4]، فرفع يديه و قال: اللَّهمّ أمتي .. أمتي [5]، و بكي، فقال اللَّه عز و جل: يا جبريل، اذهب إلى محمد و ربك أعلم، فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) بما قال
[ ()] قوله (صلى اللَّه عليه و سلم): «خالصا» احتراز من المنافق، و معنى أفعل في قوله: «أسعد» الفعل، لا أنها أفعل التفضيل، أي سيد الناس، كقوله تعالى: وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا، و يحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها، و أن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه (صلى اللَّه عليه و سلم) يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف، و يشفع في الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، و يشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، و يشفع في بعضهم بعدهم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، و يشفع في بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، و يشفع في بعضهم برفع الدرجات فيها، فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة، و أن أسعدهم بها المؤمن المخلص.
قوله (صلى اللَّه عليه و سلم): «من قلبه، أو نفسه» شك من الراويّ، و للمصنف في الرقاق: «خالصا من قبل نفسه»، و ذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.
و في الحديث دليل على اشتراط النطق بكلمتي الشهادة، لتعبيره بالقول في قوله (صلى اللَّه عليه و سلم): «من قال»، و اللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (فتح الباري) 1/ 257- 258.
[1] ذكره البخاري في كتاب الرقاق، باب (51) صفة الجنة و النار، حديث رقم (6570)، و قال النووي: الشفاعة خمس:
[1] في الإراحة من هول الموقف. [2] في إدخال قوم الجنة بغير حساب.
[3] في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا.