نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 3 صفحه : 218
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ[1]، و اقتدي بهم المشركون فسألوا النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) الآيات اقتراحا و تحكما، كقولهم: اجعل الصفا لنا ذهبا، و أحيي لنا قصيا، و سيّر جبالنا لتتسع مزارعنا، و ائتنا بالملائكة إن كنت من الصادقين، و أنزل علينا كتابا نقرؤه، فأنزل اللَّه تعالى ردا عليهم: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً[2]، و قال: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ[3] فجعل اللَّه تعالى لرحمته بهم الآية الباقية مدة الدنيا له (صلى اللَّه عليه و سلم) القرآن المعجز، و تحدى به أرباب اللغة و اللسان أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية مثله، فباءوا بالعجز عن معارضته مع تمكينهم من أصناف الكلام نظما و نثرا و رجزا و سجعا، و كان القرآن معجزة له (صلى اللَّه عليه و سلم) كإبراء الأكمه و إحياء الموتى لعيسى (عليه السلام) مع تقدم قومه بصناعة الطب، و كقلب العصا حيّة لموسى و فلق البحر مع تمكن قوم فرعون و حذقهم بالسّحر.
فكان من رحمة اللَّه بهذه الأمة أن جعل أظهر دلائل نبوة محمد (صلى اللَّه عليه و سلم) القرآن الّذي يعلم صدقه بالاستدلال الّذي تعرض فيه الشبهة و الشكوك، لكنه لا يستأصل القوم المنكرون له كما استؤصل قوم صالح لما كفروا بالناقة، و قوم موسى بانفلاق البحر، و تلقف العصا حبالهم و عصيهم.
و إلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً[4]، المعنى: أن إرادتنا لاستبقاء المقترحين للإيمان منعا من إرسال الآيات التي اقترحوها بها، لعلمنا بأنا نخرج من أصلابهم من يؤمن، و إن من سبق له منا الرحمة بالإيمان فقال تعالى: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى[5]، فدعاهم إلى التفكر و التذكر في القرآن الّذي هو من