responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين    جلد : 3  صفحه : 103

المبرود يسخن بها فيتلذذ بذلك، و الجسم المحرور يزيد في كمية حرارته فيتألم بها، فالنور واحد لهما، و كل واحد منهما يتألم بما به ينعم الآخر بعينه، فلو كان النور لإعطائه حقيقة واحدة، و إنما ذلك لاستعداد القابل.

و هكذا تجد الشمس تسوّد وجه القصّار [1] و تبيض الثوب الّذي يقصره، فإن استعداد الثوب تعطي الشمس فيه التبييض، و وجه القصّار تعطي الشمس فيه التسويد، و كذلك ترى الشمس تذيب الشمع و الشحم، و تجفف الطين و الثوب المبلول، فإن استعداد كل واحد من هذه المذكورات تعطيه الشمس بحسب قبوله، و من ذلك الهواء، إذا هبّ فإنه في هبوبه يطفئ السراج و يشعل النار في الحطب و نحوه مما من شأنه أن يقبل الاشتعال، و هكذا نفخك يطفئ السراج و يشعل النار في الحطب، و ربما كان ذلك بنفخة واحدة، و ذلك أن اختلافهما في الاستعداد يوجب اختلافهما في القبول، و الهواء واحد في عينه، و من هذا القبيل العطايا الإلهية، قال تعالى: وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [2] أي ممنوعا، فهو سبحانه معط على الدوام، و المحالّ تقبل على قدر ما أعطاها اللَّه تعالى من الاستعدادات، فإذا فهمت هذا علمت أن عطاء اللَّه تعالى ليس بممنوع، إلا أنك تحب أن يعطيك مالا يقبله استعدادك، و تنسب المنع إليه- سبحانه- فيما طلب منه، و لا تجعل ما لك من الاستعداد و تقول: إن اللَّه تعالى على كل شي‌ء قدير، و تصدق في ذلك، و لكنك تغفل عن ترتيب الحكمة الإلهية و ما تعطيه حقائق الأشياء و الكل من عند اللَّه، فمنعه عطاء، و عطاؤه منع، و لكن بقي أن تعلم بكذا أو من كذا.

و إذا تدبرت هذه الأمثلة انجلت لك شبهة ما أورده أهل الزيغ و الإلحاد على عموم أن رسالة محمد رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) رحمة للعالمين، و اللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قال أبو عبد اللَّه محمد بن علي المعروف بالحكيم الترمذي: إن الأنبياء و الرسل‌


[1] القصّارة المحوّر للثياب لأنه يدقها بالقصرة التي هي القطعة من الخشب و حرفته القصارة، و المقصرة:

خشبة القصّار. (لسان العرب): 5/ 104.

[2] الإسراء: 20.

نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين    جلد : 3  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست