نام کتاب : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية نویسنده : أحمد بن محمد القسطلاني جلد : 2 صفحه : 559
عظيم، و سمى الدين خلقا لأن الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة و إرادات زاكية و أعمال ظاهرة و باطنة موافقة للعدل و الحكمة و المصلحة، و أقوال مطابقة للحق، تصدر تلك الأقوال و الأعمال عن تلك العلوم و الإرادات فتكتسب النفس بها أخلاقا هى أزكى الأخلاق و أشرفها و أفضلها. و هذه كانت أخلاقه- صلى اللّه عليه و سلم- المقتبسة من القرآن، فكان كلامه مطابقا للقرآن تفصيلا و تبيينا، و علومه علوم القرآن، و إراداته و أعماله ما أوجبه و ندب إليه القرآن، و إعراضه و تركه لما منع منه القرآن، و رغبته فيما رغب فيه، و زهده فيما زهد فيه، و كراهته لما كرهه، و محبته لما أحبه، و سعيه فى تنفيذ أوامره، فترجمت أم المؤمنين- لكمال معرفتها بالقرآن و بالرسول، و حسن تعبيرها- عن هذا كله بقولها: «كان خلقه القرآن»، و فهم السائل عنها هذا المعنى فاكتفى به و اشتفى.
و لما وصفه تعالى بأنه على خلق عظيم قال: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ[1] أى فسترى يا محمد و سيرى المشركون كيف عاقبة أمرك، فإنك تصير معظما فى القلوب، و يصيرون أذلاء مغلوبين، و تستولى عليهم بالقتل و النهب.
الفصل الثانى فى قسمه تعالى على ما أنعم به عليه و أظهره من قدره العلى لديه
قال اللّه تعالى: وَ الضُّحى (1) وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى[2] السورة. أقسم تعالى على إنعامه على رسوله- صلى اللّه عليه و سلم- و إكرامه له و إعطائه ما يرضيه، و ذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوته، و على جزائه فى الآخرة، فهو قسم على النبوة و المعاد. و أقسم تعالى بآيتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته و وحدانيته، و حكمته و رحمته، و هما الليل و النهار، و فسر بعضهم- كما حكاه الإمام فخر الدين- الضحى بوجهه- صلى اللّه عليه و سلم- و الليل بشعره، قال: و لا استبعاد فيه.
و تأمل مطابقة هذا القسم، و هو نور الضحى الذي يوافى بعد ظلام