نام کتاب : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية نویسنده : أحمد بن محمد القسطلاني جلد : 2 صفحه : 558
و قيل: المراد به الدواة و هو مروى عن ابن عباس، و يكون هذا قسما بالدواة و القلم، فإن المنفعة بهما بسبب الكتابة عظيمة، فإن التفاهم تارة يحصل بالنطق، و تارة بالكتابة.
و قيل: إن «ن» لوح من نور تكتب فيه الملائكة ما يأمرهم به اللّه. رواه معاوية بن قرة مرفوعا. و الحق أنه اسم للسورة، و أقسم اللّه تعالى بالكتاب و آلته و هو القلم الذي هو إحدى آياته و أول مخلوقاته الذي جرى به قدره و شرعه، و كتب به الوحى، و قيد به الدين، و أثبتت به الشريعة، و حفظت به العلوم، و قامت به مصالح العباد فى المعاش و المعاد، و قام فى الناس أبلغ خطيب و أفصحه و أنفعه لهم و أنصحه، و واعظا تشفى مواعظه القلوب من السقم، و طبيبا يبرئ بإذن بارئه من أنواع الألم على تنزيه نبيه و رسوله محمد المحمود فى كل أفعاله و أقواله مما غمصته أعداؤه الكفرة به، و تكذيبهم له بقوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ[1].
و كيف يرمى بالجنون من أتى بما عجزت العقلاء قاطبة عن معارضته، و كلّت عن مماثلته، و عرّفهم من الحق ما لا تهتدى إليه عقولهم، بحيث أذعنت له عقول العقلاء، و خضعت له ألباب الألباء، و تلاشت فى جنب ما جاء به، بحيث لم يسعها إلا التسليم له، و الانقياد و الإذعان طائعة مختارة، فهو الذي كمل عقولها كما يكمل الطفل برضاع الثدى.
ثم أخبر تعالى عن كمال حالتى نبيه- صلى اللّه عليه و سلم- فى دنياه و آخرته فقال:
وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ[2] أى: ثوابا غير منقطع، بل هو دائم مستمر، و نكر الأجر للعظيم، أى أجرا عظيما لا يدركه الوصف و لا يناله التعبير.
ثم أثنى عليه بما منحه فقال: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[3] و هذه من أعظم آيات نبوته و رسالته، و لقد سئلت عائشة- رضى اللّه عنها- عن خلقه- صلى اللّه عليه و سلم- فقالت: «كان خلقه القرآن» و من ثم قال ابن عباس و غيره: أى على دين