responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 277
الْإِمَامُ عَبَدُ الْقَاهِرِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ خَاصٌّ بِمَا كَانَتِ الْحَالُ فِيهِ وَصْفًا لِفَاعِلِ الْعَامِلِ فِيهَا كَآيَةِ النِّسَاءِ وَمِثْلِ قَوْلِكَ: نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ وَأَنَا صَائِمٌ، وَهِيَ هُنَا وَصْفٌ لِمَفْعُولِهِ فَتَأَمَّلْ. وَقَدْ بَحَثَ الْمُفَسِّرُونَ الَّذِينَ يَعْنُونَ بِالْإِعْرَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاوِ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ هَلْ هِيَ لَامُ الْعَطْفِ أَوْ غَيْرُهَا، وَمَتَى تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ هِيَ وَالضَّمِيرُ مَعًا وَمَتَى يَجِبُ أَحَدُهُمَا، وَهِيَ مَبَاحِثُ لَفْظِيَّةٌ نَعْدُوهَا لِأَنَّهَا قَلَّمَا تُفِيدُ فِي الْمَعَانِي وَنُكَتِ الْبَلَاغَةِ فَائِدَةً تُذْكَرُ.
(فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْإِنْسَانُ، وَالِادِّعَاءُ نَفْسُهُ، وَالدُّعَاءُ بِمَعَانِيهِ، وَالْقَوْلُ مُطْلَقًا، فَفِي الْمِصْبَاحِ: وَدَعْوَى فُلَانِ كَذَا - أَيْ قَوْلُهُ اهـ. وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: فَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ - وَعَلَى مَا قَبْلُهُ: (فَمَا) كَانَتْ غَايَةَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الدِّينِ وَزَعْمِهِمْ فِيهِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ - أَوْ كَانُوا يَدَّعُونَهُ عَلَى الرُّسُلِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَإِرَادَةِ التَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ - إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ بِبُطْلَانِهِ. وَفِي التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ الْإِخْبَارُ بِنَوْعٍ مِنَ الْقَوْلِ عَنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ غَيْرُ الْإِخْبَارِ بِالشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ فَصِيحٌ وَإِنِ اتَّحَدَتِ الْمَادَّةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) (3: 147) فَكَيْفَ إِذَا اخْتَلَفَتْ كَمَا هُنَا.
وَالْعِبْرَةُ فِي الْآيَةِ: أَنَّ كُلَّ مُذْنِبٍ يَقَعُ عَلَيْهِ عِقَابُ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا يَنْدَمُ وَيَتَحَسَّرُ وَيَعْتَرِفُ بِظُلْمِهِ وَجُرْمِهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ سَبَبُ الْعِقَابِ، وَمَا كُلُّ مُعَاقَبٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يَجْهَلُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، وَأَمَّا الذُّنُوبُ الَّتِي مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى بِجَعْلِ عِقَابِهَا أَثَرًا لَازِمًا لَهَا فِي الدُّنْيَا فَلَا تَطَّرِدُ فِي الْأَفْرَادِ كَاطِّرَادِهَا فِي الْأُمَمِ، وَلَا تَكُونُ دَائِمًا مُتَّصِلَةً بِاقْتِرَافِ الذَّنْبِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَقَعُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَشْعُرُ فَاعِلُهَا بِأَنَّهَا أَثَرٌ لَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ لَا يَعْرِفُ أَكْثَرُ السُّكَارَى مِنْهُ غَيْرَ مَا يَعْقُبُ الشُّرْبَ مِنْ
صُدَاعٍ وَغَثَيَانٍ، وَهُوَ مِمَّا يَسْهُلُ عَلَيْهِمُ احْتِمَالُهُ وَتَرْجِيحُ لَذَّةِ النَّشْوَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يُوَلِّدُهُ السُّكْرُ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالْجِهَازِ التَّنَاسُلِيِّ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ النَّسْلِ وَاسْتِعْدَادِهِ لِلْأَمْرَاضِ وَانْقِطَاعِهِ أَحْيَانًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجَسَدِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ (الْعَقْلِيَّةِ) فَهِيَ تَحْصُلُ بِبُطْءٍ، وَقَلَّمَا يَعْلَمُ غَيْرُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهَا مِنْ تَأْثِيرِ السُّكْرِ. ثُمَّ قَلَّمَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِ تَأْثِيرِهَا هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَنْ تَحْمِلَ السَّكُورَ عَلَى التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ دَاءَ الْخُمَارِ يُزْمِنُ وَحُبَّ السُّكْرِ يُضْعِفُ الْإِرَادَةَ، وَمَضَارُّ الزِّنَا الْجَسَدِيَّةُ أَخْفَى مِنْ مَضَارِّ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَمَفَاسِدُهُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ أَخْفَى مِنْ مَضَارِّهِ الْجَسَدِيَّةِ، فَمَا كُلُّ أَحَدٍ يَفْطِنُ لَهَا. وَيَا لَيْتَ كُلَّ مَنْ عَلِمَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست