responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 278
بِضَرَرِ ذَنْبِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ وَيَتُوبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِالِاعْتِرَافِ بِظُلْمِهِ، وَلَا بِالْإِقْرَارِ بِذَنْبِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ لَا فِي دُنْيَاهُ، وَلَا فِي دِينِهِ، وَإِذَا كَانَ الرَّاسِخُ فِي الْفِسْقِ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ ضَرَرُهُ وَعَلِمَ بِهِ، فَكَيْفَ يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ لَمْ يُصِبْهُ مِنْهُ ضَرَرٌ أَوْ أَصَابَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي بِهِ؟ إِنَّمَا تَسْهُلُ التَّوْبَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، وَإِلَّا فَهِيَ لِأُولِي الْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ الَّذِينَ تَقْهَرُ إِرَادَتُهُمْ شَهَوَاتِهِمْ فَهُمُ الْأَقَلُّونَ.
وَأَمَّا ذُنُوبُ الْأُمَمِ فَعِقَابُهَا فِي الدُّنْيَا مُطَّرِدٌ، وَلَكِنَّ لَهَا آجَالًا وَمَوَاقِيتَ أَطْوَلُ مِنْ مِثْلِهَا فِي ذُنُوبِ الْأَفْرَادِ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا تَخْتَلِفُ فِي الْأَفْرَادِ بَلْ أَشَدُّ، فَإِذَا ظَهَرَ الظُّلْمُ وَاخْتِلَالُ النِّظَامِ وَنَشَأَ التَّرَفُ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ تَمْرَضُ أَخْلَاقُهَا فَتَسُوءُ أَعْمَالُهَا وَتَنْحَلُّ قُوَاهَا، وَيَفْسُدُ أَمْرُهَا وَتَضْعُفُ مَنْعَتُهَا، وَيَتَمَزَّقُ نَسِيجُ وَحْدَتِهَا، حَتَّى تُحْسَبَ جَمِيعًا وَهِيَ شَتَّى - فَيُغْرِي ذَلِكَ بَعْضَ الْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ بِهَا، فَتَسْتَوْلِي عَلَيْهَا، وَتَسْتَأْثِرُ بِخَيْرَاتِ بِلَادِهَا، وَتَجْعَلُ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً. فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْأُمَمِ عَلَى تَفَاوُتِ أَمْزِجَتِهَا وَقُوَاهَا، وَقَلَّمَا تَشْعُرُ أُمَّةٌ بِعَاقِبَةِ ذُنُوبِهَا قَبْلَ وُقُوعِ عُقُوبَتِهَا، وَلَا يَنْفَعُهَا بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ الْعَارِفُونَ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعُمُّهَا الْجَهْلُ حَتَّى لَا تَشْعُرَ بِأَنَّ مَا حَلَّ بِهَا، إِنَّمَا كَانَ مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِيهَا، فَتَرْضَى بِاسْتِذْلَالِ الْأَجْنَبِيِّ، كَمَا رَضِيَتْ مِنْ قَبْلُ بِمَا كَانَ سَبَبًا لَهُ مِنَ الظُّلْمِ الْوَطَنِيِّ، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا قَوْلُنَا فِي الْمَقْصُورَةِ:
مَنْ سَاسَهُ الظُّلْمُ بِسَوْطِ بَأْسِهِ ... هَانَ عَلَيْهِ الذُّلُّ مِنْ حَيْثُ أَتَى
وَمَنْ يَهُنْ هَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ ... وَعِرْضُهُ وَدِينُهُ الَّذِي ارْتَضَى
وَقَدْ تَنْقَرِضُ بِمَا يَعْقُبُهُ الْفِسْقُ وَالذُّلُّ مِنْ قِلَّةِ النَّسْلِ وَلَا سِيَّمَا فُشُوُّ الزِّنَا وَالسُّكْرِ، أَوْ تَبْقَى مِنْهَا بَقِيَّةٌ مُدْغَمَةٌ فِي الْكَثْرَةِ الْغَالِبَةِ لَا أَثَرَ لَهَا تُعَدُّ بِهِ أُمَّةٌ. وَقَدْ تَتَوَالَى عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ حَتَّى تَضِيقَ بِهَا ذَرْعًا، فَتَبْحَثُ عَنْ أَسْبَابِهَا، فَلَا تَجِدُهَا بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ إِلَّا فِي أَنْفُسِهَا، وَتَعْلَمُ صِدْقَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (42: 30) ثُمَّ تَبْحَثُ عَنِ الْعِلَاجِ فَتَجِدُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (11:13) وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّغْيِيرُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالْعَمَلِ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْقُلُوبُ فَتَصْلُحُ الْأُمُورُ، كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ عَمُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ تَوَسَّلَ بِهِ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ بِتَقْدِيمِهِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِهِمْ: اللهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَمْ يُرْفَعْ إِلَّا بِتَوْبَةٍ. خِلَافًا لِلْحَشْوِيَّةِ الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبَلَاءَ إِنَّمَا يَرْتَفِعُ كَرَامَةً لِلصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَتَوَسَّلُ بِهِمُ الْمُذْنِبُونَ وَالْمُفْسِدُونَ. وَمَتَى عَلِمَتِ الْأُمَّةُ دَاءَهَا وَعِلَاجَهُ فَلَا تَعْدِمُ الْوَسَائِلَ لَهُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست