responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 220
إِلَى الْأَمْوَاتِ وَاسْتِئْجَارِ الْقُرَّاءِ وَحَبْسِ الْأَوْقَاتِ عَلَى ذَلِكَ بِدَعٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَمِثْلُهَا مَا يُسَمُّونَهُ إِسْقَاطَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ فِي الدِّينِ لَمَا جَهِلَهَا السَّلَفُ، وَلَوْ عَلِمُوهَا لَمَا أَهْمَلُوا الْعَمَلَ بِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا لَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَوُقُوعُهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنْ فَتْحِ اللهِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ بِمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ مِنْ حِكَمِ الدِّينَ وَأَسْرَارِهِ وَالْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ - كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: إِلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللهُ عَبَدَهُ فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ - بَلْ هُوَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي يَهْتَمُّ النَّاسُ بِأَمْرِهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَوْ فَعَلَهَا الصَّحَابَةُ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا بِالتَّوَاتُرِ أَوِ الِاسْتِفَاضَةِ.
(ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أَيْ ثُمَّ إِنَّ رُجُوعَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى رَبِّكُمْ وَحْدَهُ، دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا عَبَدْتُمْ مِنْ دُونِهِ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَكُمْ إِلَيْهِ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ أَدْيَانِكُمْ، إِذْ كَانَ بَعْضُكُمْ يَعْبُدُهُ وَحْدَهُ، وَبَعْضُكُمْ قَدِ اتَّخَذَ لَهُ أَنْدَادًا مِنْ خَلْقِهِ، وَيَتَوَلَّى هُوَ جَزَاءَكُمْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَدِيمَتَيْنِ، وَيَضِلُّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ مِنْ دُونِهِ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي سِيَاقِ اخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ وَذَكَرْنَا نَصَّهُ آنِفًا - وَفِي آلِ عِمْرَانَ فِي قِصَّةِ عِيسَى: (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (3: 55) وَمِثْلُهُ فِي الْبَقَرَةِ بَعْدَ ذِكْرِ طَعْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ: (2: 113) وَلَهُ نَظَائِرُ بَعْضُهَا فِي الْإِنْبَاءِ بِالِاخْتِلَافِ أَوِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَبَعْضُهَا فِي الْإِنْبَاءِ بِالْعَمَلِ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (آيَةُ 22 و108) وَكُلُّهُ إِنْذَارٌ بِالْجَزَاءِ وَبَيَانٌ أَنَّهُ بِيَدِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِبَعْضِ أَحْوَالِ الْبَشَرِ الَّتِي نُعَبِّرُ عَنْهَا فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ بِالسُّنَنِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَقَدْ عُطِفَتْ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَإِبْطَالِ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ. وَالْخَلَائِفُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ وَهُوَ مَنْ يَخْلُفُ أَحَدًا كَانَ قَبْلَهُ فِي مَكَانٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ مُلْكٍ - وَفِي الْخِطَابِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لِلْبَشَرِ جُمْلَةً، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُمْ خُلَفَاءَهُ فِي الْأَرْضِ بِالتَّبَعِ لِأَبِيهِمْ آدَمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ جَعَلَ سُنَنَهُ فِيهِمْ أَنْ تَذْهَبَ أُمَّةٌ وَتَخْلُفَهَا أُخْرَى. (ثَانِيهُمَا) أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ خُلَفَاءَ لِمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْمُلْكِ وَاسْتِعْمَارِ الْأَرْضِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ إِهْلَاكِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (10: 14) وَفِي مَعْنَاهَا آيَاتٌ أُخْرَى، وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) (24: 55) وَهَذَا اسْتِخْلَافٌ خَاصٌّ وَذَلِكَ عَامٌّ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ رَبَّكُمُ الَّذِي هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ أُمَمٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 220
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست