responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 221
سَبَقَتْ وَلَكُمْ فِي سِيرَتِهَا عِبَرٌ، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَالْعَقْلِ وَالْجَهْلِ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ، لِيَخْتَبِرَكُمْ فِيمَا أَعْطَاكُمْ، أَيْ يُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ لَكُمْ فِي ذَلِكَ فَيَبْنِي الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ، بِمَعْنَى أَنَّ سُنَنَهُ تَعَالَى فِي تَفَاوُتِ النَّاسِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الصِّفَاتِ الْوَهْبِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الْكَسْبِيَّةِ، هِيَ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا اسْتِعْدَادُ كُلٍّ مِنْهُمْ وَدَرَجَةُ وُقُوفِهِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي النِّعَمِ وَالنِّقَمِ عِنْدَ وَصَايَا الدِّينِ وَحُدُودِ الشَّرْعِ وَوِجْدَانِ الِاطْمِئْنَانِ فِي الْقَلْبِ، وَالْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الدَّرَجَاتِ، وَسَعَادَةُ النَّاسِ أَفْرَادًا وَأُسَرًا وَأُمَمًا، وَشَقَاوَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَابِعَةٌ لِأَعْمَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ فِي مَوَاهِبِهِمْ وَمَزَايَاهُمْ وَمَا يَبْتَلِيهِمْ بِهِ تَعَالَى مِنَ النِّعَمِ وَالنِّقَمِ، وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَطْلُبُهُ النَّاسُ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَنِعَمِهَا أَوْ رَفْعِ نِقَمِهَا، أَوْ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهَا إِلَّا وَهُوَ مَنُوطٌ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي ابْتَلَاهُمْ بِهَا بِحَسَبِ مَا قَرَّرَهُ شَرْعُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى تَوْحِيدِهِ الْمُجَرَّدِ، وَمَضَتْ بِهِ سُنَنُهُ فِي نِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، فَبِقَدْرِ عِلْمِهِمْ بِالشَّرْعِ وَسُنَنِ الْكَوْنِ وَالِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ يَكُونُ حَظُّهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ.
فَهَذِهِ الْهِدَايَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مُقَرِّرَةٌ لِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ وَهَادِمَةٌ لِقَوَاعِدَ الشِّرْكِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّكَالِ النَّاسِ وَاعْتِمَادِهِمْ عَلَى مَا اتَّخَذُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ مِنَ الْوُسَطَاءِ لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَيْهِ وَيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ فِيمَا يَطْلُبُونَ مِنْ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرٍّ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ ; وَلِهَذَا تَرَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ حَيْثُ يَشْعُرُونَ أَوْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَشْقَى النَّاسِ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ نَيْلِ مَآرِبِهِمْ، وَتَرَى خُصُومَهُمْ دَائِمًا ظَافِرِينَ
بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا شَرًّا مِنْهُمْ فِيمَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ مِنَ الشِّرْكِ، فَرُبَّمَا تَرَى قَوْمًا يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ، يَعْتَمِدُونَ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِمْ مِنْ شِفَاءِ مَرَضٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ وَنَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى التَّوَسُّلِ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَذَبْحِ النُّذُورِ لَهُمْ وَدُعَائِهِمْ وَالطَّوَافِ بِقُبُورِهِمْ وَالتَّمَسُّحِ بِهَا، وَتَجِدُ آخَرِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِثْلُ اعْتِقَادِهِمْ وَعَمَلِهِمْ هَذَا وَهُمْ أَحْسَنُ مِنْهُمْ صِحَّةً، وَأَوْسَعُ رِزْقًا وَأَعَزُّ مُلْكًا، وَإِذَا قَاتَلُوهُمْ يَنْتَصِرُونَ عَلَيْهِمْ وَيَسُودُونَهُمْ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ سُنَنَ اللهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ وَأَنَّ الرَّغَائِبَ إِنَّمَا تُنَالُ بِالْأَعْمَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ تِلْكَ السُّنَنِ، سَوَاءٌ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى رَبَّ الْخَلْقِ هُوَ الْخَالِقُ وَالْوَاضِعُ لِنِظَامِ خَلْقِهِ بِتِلْكَ السُّنَنِ، وَأَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لِسُنَنِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِهِ أَمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.
وَلَوِ اسْتَوَى شَعْبَانِ مِنَ النَّاسِ فِي الْجَرْيِ عَلَى هَذِهِ السُّنَنِ الرَّبَّانِيَّةِ لِلِاجْتِمَاعِ الْإِنْسَانِيِّ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنًا بِاللهِ مُسْتَمْسِكًا بِوَصَايَاهُ وَهِدَايَةِ دِينِهِ، وَالْآخَرُ كَافِرًا بِهِ غَيْرُ مُهْتَدٍ بِوَصَايَاهُ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُهْتَدِيَ يَكُونُ أَعَزَّ وَأَسْعَدَ فِي دُنْيَاهُ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ هُوَ النَّاجِيَ مِنَ الْعَذَابِ، الْفَائِزَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست