responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 324
وَأَرُومَتِهِمْ ; فَنَسَبُهُمْ أَشْرَفُ الْأَنْسَابِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ عَلَى فَسَادِ الْقُلُوبِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ فَسَادُ الْأَعْمَالِ، فَمَا بَالُ الْفَاسِدِينَ الْمُفْسِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينَ أَوِ السِّيَاسِيِّينَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِمَا كَانَ مِنْ خِزْيِ الْيَهُودِ بِخُرُوجِهِمْ عَنْ سُنَّةِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَبِمَا حَلَّ مِنْ وَعِيدِ اللهِ بِهِمْ، عَلَى مَا كَانَ مِنْ حِرْصِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هُدَاهُمْ، وَهُمْ يَرَوْنَ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِصْدَاقَهُ بِأَعْيُنِهِمْ، أَفَلَا يُقِيمُونَ الْقُرْآنَ بِالِاعْتِبَارِ بِنُذُرِهِ، وَالْحَذَرِ مِمَّا حَذَّرَ مِنْهُ؟
ثُمَّ قَالَ فِي وَصْفِهِمْ: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أَعَادَ وَصْفَهُمْ بِكَثْرَةِ سَمَاعِ الْكَذِبِ لِتَأْكِيدِ مَا قَبْلَهُ وَالتَّمْهِيدِ لِمَا بَعْدَهُ - كَمَا قَالُوا - وَالْإِعَادَةُ لِلتَّأْكِيدِ وَتَقْرِيرِ الْمَعْنَى وَإِفَادَةِ اهْتِمَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، مِمَّا يَنْبَعِثُ عَنِ الْغَرِيزَةِ، وَيُعْرَفُ التَّأْثِيرُ وَالتَّأَثُّرُ بِهِ مِنَ
الطَّبِيعَةِ، وَلَعَلَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ لُغَاتِ الْبَشَرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ " اللَّامَ " فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِلتَّعْلِيلِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّقْوِيَةِ يَنْتَفِي التَّكْرَارُ ; إِذِ الْمَعْنَى هُنَاكَ: يَسْمَعُونَ كَلَامَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِ أَنْ يَجِدُوا مَجَالًا لِلْكَذِبِ، يُنَفِّرُونَ النَّاسَ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّهُمْ يَسْمَعُ بَعْضُهُمُ الْكَذِبَ مِنْ بَعْضٍ سَمَاعَ قَبُولٍ، فَهُمْ يَكْذِبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا يَكْذِبُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَيَقْبَلُ بَعْضُهُمُ الْكَذِبَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمْرُهُمْ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ شَرُّ الرَّذَائِلِ وَأَضَرُّ الْمَفَاسِدِ، وَهَكَذَا شَأْنُ الْأُمَمِ الذَّلِيلَةِ الْمَهِينَةِ، تَلُوذُ بِالْكَذِبِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَتَرَى أَنَّهَا تَدْرَأُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا مَا تَتَوَقَّعُ مِنْ ضُرٍّ.
وَكَذَلِكَ يَفْشُو فِيهَا أَكْلُ السُّحْتِ لِأَنَّهَا تَعِيشُ بِالْمُحَابَاةِ، وَتَأْلَفُ الدَّنَاءَةَ، وَتُؤْثِرُ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ.
فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ السُّحْتَ بِالرِّشْوَةِ فِي الدِّينِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالرِّشْوَةِ فِي الْحُكْمِ، وَعَلِيٌّ بِالرِّشْوَةِ مُطْلَقًا، قِيلَ لَهُ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: ذَلِكَ الْكُفْرُ، وَقَالَ عُمَرُ: بَابَانِ مِنَ السُّحْتِ يَأْكُلُهُمَا النَّاسُ ; الرِّشَا فِي الْحُكْمِ، وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ ; فَأَفَادَ أَنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالرِّشْوَةِ الْمُطْلَقَةِ أَوِ الْمُقَيَّدَةِ فَقَدْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ بِاعْتِبَارِ نُزُولِهَا فِي أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ، لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ. وَقِيلَ: السُّحْتُ: الْحَرَامُ مُطْلَقًا، أَوِ الرِّبَا، أَوِ الْحَرَامُ الَّذِي فِيهِ عَارٌ وَدَنَاءَةٌ كَالرِّشْوَةِ. وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ الَّذِي اخْتِيرَ هَذَا اللَّفْظُ لِأَجْلِهِ، فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مِنْ سَحَتَهُ، وَأَسْحَتَهُ بِمَعْنَى اسْتَأْصَلَهُ بِالْهَلَاكِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ) (20: 61) . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِالسُّحْتِ مَا يُسْحِتُ الدِّينَ وَالشَّرَفَ لِقُبْحِهِ وَضَرَرِهِ، أَوْ لِسُوءِ عَاقِبَتِهِ وَأَثَرِهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُ السُّحْتِ: شِدَّةُ الْجُوعِ، يُقَالُ: رَجُلٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ: إِذَا كَانَ أَكُولًا لَا يَكَادُ يُرَى إِلَّا جَائِعًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْحَرَامَ، أَوِ الْكَسْبَ الدَّنِيءَ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ الشَّرَهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَنَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ: " السُّحَتِ "، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهِمَا مَعًا. لِسَانُ الْعَرَبِ: السُّحْتُ وَالسُّحُتُ: كُلُّ حَرَامٍ قَبِيحُ الذِّكْرِ، وَقِيلَ
:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست