responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 325
مَا خَبُثَ مِنَ الْمَكَاسِبِ وَحَرُمَ، فَلَزِمَ عَنْهُ الْعَارُ وَقَبِيحُ الذِّكْرِ، كَثَمَنِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. وَسَحَتَ الشَّيْءَ يَسْحَتُهُ، كَفَتَحَ يَفْتَحُ، قَشَرَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَسَحَتُّ الشَّحْمَ عَنِ اللَّحْمِ: قَشَرْتُهُ عَنْهُ مِثْلُ سَحَفْتُهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَحَتَ رَأْسَهُ سَحْتًا وَأَسْحَتَهُ: اسْتَأْصَلَهُ حَلْقًا. وَأَسْحَتَ مَالَهُ:
اسْتَأْصَلَهُ وَأَفْسَدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالسَّحْتُ - بِالْفَتْحِ - شِدَّةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَرَجُلُ سُحْتٌ - بِالضَّمِّ - وَسَحِيتٌ وَمَسْحُوتٌ: رَغِيبٌ وَاسِعُ الْجَوْفِ، لَا يَشْبَعُ. انْتَهَى الْمُرَادُ مِنَ اللِّسَانِ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَصْلَ مَعْنَى السُّحْتِ: إِزَالَةُ الْقِشْرِ عَنِ الْعُودِ بِالتَّدْرِيجِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ لَا يَقُولُ: أَسْحَتُّ الشَّيْءَ، إِلَّا إِذَا اسْتَأْصَلَهُ بِالْقِشْرِ، وَيُمْكِنُ إِرْجَاعُ مَعْنَى عَدَمِ الشِّبَعِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ; كَأَنَّ الْمَعِدَةَ لِسُرْعَةِ هَضْمِهَا تَسْتَأْصِلُ الطَّعَامَ. وَسُمِّيَ الْكَسْبُ الْخَسِيسُ وَالْحَرَامُ سُحْتًا ; لِأَنَّهُ يَسْتَأْصِلُ الْمُرُوءَةَ أَوِ الدِّينَ، وَالرِّشْوَةُ تَسْتَأْصِلُ الثَّرْوَةَ، وَتُفْسِدُ أَمْرَ الْمُعَامَلَةِ، وَتَسْتَبْدِلُ الطَّمَعَ بِالْعِفَّةِ، وَكَانَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَرُؤَسَاؤُهُمْ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ كَذَّابِينَ أَكَّالِينَ لِلسُّحْتِ مِنَ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْخَسَائِسِ، كَدَأْبِ سَائِرِ الْأُمَمِ فِي عَهْدِ فَسَادِهَا وَانْحِطَاطِهَا، وَقَدْ صَارَتْ حَالُهُمُ الْآنَ أَحْسَنَ مَنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ يَعِيبُونَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ سَلَفِهِمْ.
وَمِنْ عَجَائِبَ غَفْلَةِ الْبَشَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَعِيبَكَ أَحَدُهُمْ بِنَقِيصَةٍ يَنْسِبُهَا إِلَى أَحَدِ أَجْدَادِكَ الْغَابِرِينَ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِأَنَّكَ عَارٍ عَنْهَا، أَوْ مُتَّصِفٌ بِالْمَحْمَدَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا، وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِنَقِيصَةِ جَدِّكَ الَّتِي يَعِيبُكَ بِهَا! ! فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَعُدُّهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَرُؤَسَاءِ الدِّينِ فِيهِمْ، وَكَثِيرًا مِنْ حُكَّامِهِمُ الشَّرْعِيِّينَ وَالسِّيَاسِيِّينَ يَكْذِبُونَ كَثِيرًا، وَيَقْبَلُونَ الْكَذِبَ، وَيَأْكُلُونَ السُّحْتَ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ; لِيَشْهَدُوا لَهُمْ زُورًا بِأَنَّهُمْ صَارُوا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَيُعْطُونَهُمْ مَا يُسَمُّونَهُ " شَهَادَةَ الْعَالِمِيَّةِ " كَمَا يَمْنَحُهُمْ حُكَّامُهُمُ الرُّتَبَ الْعِلْمِيَّةَ، وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْأَزْهَرِ مَرَّةً عَلَى شَيْخِنَا الْإِمَامِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ جُنَيْهًا ; لِيُسَاعِدَهُ فِي امْتِحَانِ شَهَادَةِ الْعَالِمِيَّةِ ; لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ لِلِامْتِحَانِ وَلَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْأُسْتَاذُ نَفْسَهُ مِنْ الِانْفِعَالِ أَنْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُوجِعًا، وَقَالَ: أَتَطْلُبُ مِنِّي فِي هَذِهِ السِّنِّ أَنْ أَغُشَّ الْمُسْلِمِينَ بِكَ لِتُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ بِجَهْلِكَ، بِهَذِهِ الْجُنَيْهَاتِ الْحَقِيرَةِ فِي نَظَرِي الْعَظِيمَةِ فِي نَظَرِكَ، وَأَنَا الَّذِي لَمْ أَتَدَنَّسْ فِي عُمْرِي، حَتَّى وَلَا بِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ أَنْقَذْتُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ؟ ! وَلَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يَتَسَاهَلُ فِي هَذَا لَكُنْتُ مِنْ أَوْسَعِ النَّاسِ ثَرْوَةً. أَوْ مَا هَذَا مُؤَدَّاهُ.
(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أَيْ فَإِنْ جَاءُوكَ مُتَحَاكِمِينَ إِلَيْكَ
فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَتَرْكِهِمْ إِلَى رُؤَسَائِهِمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا التَّخْيِيرِ أَهْوَ خَاصٌّ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا الْآيَةُ - وَهِيَ حَدُّ الزِّنَا: هَلْ هُوَ الْجَلْدُ أَوِ الرَّجْمُ، أَوْ دِيَةُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 325
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست