responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 323
أَيُّهَا الرَّسُولُ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ وَالرُّشْدِ، كَمَا أَنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَوِّلَ النُّحَاسَ إِلَى الذَّهَبِ ; لِأَنَّ سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى لَا تَتَبَدَّلُ فِي مَعَادِنِ النَّاسِ، وَلَا فِي مَعَادِنِ الْأَرْضِ، فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُجَاحِدُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ أَظْهَرَتْ لَكَ فِتْنَةُ اللهِ وَاخْتِبَارُهُ إِيَّاهُمْ دَرَجَةَ فَسَادِهِمْ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ الْكَذِبَ دُونَ الْحَقِّ، وَأَنَّ إِظْهَارَ بَعْضِهِمْ لِلْإِيمَانِ وَرُؤْيَتَهُمْ لِحُسْنِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَلَاحِهِمْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَرَأَيْتَ كَيْفَ طَوَّعَتْ لِلْآخَرِينَ أَنْفُسُهُمُ التَّحْرِيفَ وَالْكِتْمَانَ لِأَحْكَامِ كِتَابِهِمْ ; اتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ، وَمَرْضَاةً لِأَغْنِيَائِهِمْ. فَلَا تَحْزُنْكَ بَعْدَ هَذَا مُسَارَعَتُهُمْ فِي الْكُفْرِ، وَلَا تَطْمَعْ فِي جَذْبِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ ; فَإِنَّكَ لَا تَمْلِكُ لِأَحَدٍ هِدَايَةً وَلَا نَفْعًا، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَالْبَيَانُ. رَاجِعْ تَفْسِيرَ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (3: 128) وَلَا تَخَفْ عَاقِبَةَ نِفَاقِهِمْ؛ فَإِنَّمَا الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَلَهُمُ الْخِزْيُ وَالْهَوَانُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنَّ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أَيْ أُولَئِكَ الَّذِينَ بَلَغَتْ مِنْهُمُ الْفِتْنَةُ هَذَا الْحَدَّ هُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَعَلَّقْ إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى بِتَطْهِيرِ قُلُوبِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ; لِأَنَّ إِرَادَتَهُ تَعَالَى إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ وَسُنَنُهُ الْعَادِلَةُ، وَمِنْ سُنَنِهِ فِي قُلُوبِ الْبَشَرِ وَأَنْفُسِهِمْ أَنَّهَا إِذَا جَرَتْ عَلَى الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ، وَنَشَأَتْ عَلَى الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ، وَاعْتَادَتِ اتِّخَاذَ دِينِهَا شَبَكَةً لِشَهَوَاتِهَا وَأَهْوَائِهَا، وَمَرَدَتْ عَلَى الْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ، وَأَلِفَتْ عَصَبِيَّةَ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مَلَكَاتِهَا الثَّابِتَةِ وَأَخْلَاقِهَا
الْمَوْرُوثَةِ الثَّابِتَةِ، تُحِيطُ بِهَا خَطِيئَتُهَا، وَتُطْبِقُ عَلَيْهَا ظُلْمَتُهَا، حَتَّى لَا يَبْقَى لِنُورِ الْحَقِّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ إِلَيْهَا ; فَتَفْقِدُ قَابِلِيَّةَ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِبْصَارِ فِي تَوْفِيقِ الْأَقْدَارِ لِلْأَقْدَارِ، وَهَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءُ وَأَعْوَانُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ صُبُّوا فِي قَوَالِبَ تِلْكَ الصِّفَاتِ الرَّدِيئَةِ صَبًّا، فَلَا تَقْبَلُ طَبَائِعُهُمْ سِوَاهَا قَطْعًا، فَهَذَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ تَعَلُّقِ إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ مِمَّا طَبَعَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ إِرَادَتَهُ تَطْهِيرَ قُلُوبِهِمْ وَهُمْ مُتَّصِفُونَ بِمَا ذَكَرْنَا، إِبْطَالٌ لِلْقَدَرِ، وَتَبْدِيلٌ لِمَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ مِنَ السُّنَنِ، وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، لَا أَمْرًا أُنُفًا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِهِ تَبْدِيلًا. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى عَاقِبَةَ هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ وَجَزَاءَهُمْ، فَقَالَ: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فَأَمَّا الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ فَأَمْرُهُ مَعْلُومٌ، وَكُنْهُهُ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا خِزْيُ الدُّنْيَا فَهُوَ مَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الذُّلِّ وَالْفَضِيحَةِ وَهَوَانِ الْخَيْبَةِ عِنْدَ مَا يَنْكَشِفُ نِفَاقُهُمْ وَيَظْهَرُ لِلنَّاسِ كَذِبُهُمْ، وَيَعْلُو الْحَقُّ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَقَدْ صَدَقَ وَعِيدُ اللهِ تَعَالَى بِهَذَا الْخِزْيِ عَلَى يَهُودِ الْحِجَازِ كُلِّهِمْ، كَمَا يَصْدُقُ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى مَنْ يُفْسِدُونَ كَفَسَادِهِمْ، فَيَفْشُو فِيهِمُ الْكَذِبُ وَالنِّفَاقُ، وَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ فَسَادُ الْأَخْلَاقِ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ الِانْتِسَابُ إِلَى نَبِيٍّ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ دَعْوَى الْإِيمَانِ بِكِتَابٍ لَمْ يُقِيمُوهُ ; فَإِنَّ الْوَعِيدَ فِي الْآيَةِ لَمْ يُوَجَّهْ إِلَى أُولَئِكَ الْيَهُودِ لِذَوَاتِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ ; فَذَوَاتُهُمْ كَسَائِرِ الذَّوَاتِ، وَلَا لِنَسَبِهِمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست