responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 174
يَجُوزُ أَنْ تُرَادَ بِالنُّزُولِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَيَلِيقُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجَلَالِ اللهِ - تَعَالَى - وَعَظَمَتِهِ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَكَيْفِيَّتَهُ.
مِثَالٌ آخَرُ: إِذَا سَمِعَ لَفْظَ الْفَوْقِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [6: 18] وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [16: 5] فَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْفَوْقَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ لِمَعْنَيَيْنِ ; أَحَدُهُمَا: نِسْبَةُ جِسْمٍ إِلَى جِسْمٍ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى وَالْآخَرُ أَسْفَلَ، يَعْنِي: أَنَّ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ رَأْسِ الْأَسْفَلِ، وَقَدْ يُطْلَقُ لِفَوْقِيَّةِ الرُّتْبَةِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ: الْخَلِيفَةُ فَوْقَ السُّلْطَانِ وَالسُّلْطَانُ فَوْقَ الْوَزِيرِ، وَكَمَا يُقَالُ الْعِلْمُ فَوْقَ الْعِلْمِ، وَالْأَوَّلُ: يَسْتَدْعِي جِسْمًا يُنْسَبُ إِلَى جِسْمٍ.
وَالثَّانِي: لَا يَسْتَدْعِيهِ، فَلْيَعْتَقِدِ الْمُؤْمِنُ قَطْعًا أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُرَادٍ، وَأَنَّهُ عَلَى اللهِ - تَعَالَى - مُحَالٌ، فَإِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الْأَجْسَامِ أَوْ لَوَازِمِ أَعْرَاضِ الْأَجْسَامِ، وَإِذَا عَرَفَ نَفْيَ هَذَا الْمُحَالِ فَلَا عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ لِمَاذَا أُطْلِقَ وَمَاذَا أُرِيدَ؟ فَقِسْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ.
(الْوَظِيفَةُ الثَّانِيَةُ - الْإِيمَانُ وَالتَّصْدِيقُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أُرِيدَ بِهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَادِقٌ فِي وَصْفِ اللهِ - تَعَالَى - بِهِ، فَلْيُؤْمِنْ بِذَلِكَ وَلْيُوقِنْ بِأَنَّ مَا قَالَهُ صِدْقٌ وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَلْيَقُلْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا، وَأَنَّ مَا وَصَفَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ فَهُوَ كَمَا وَصَفَهُ، وَحَقٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ وَإِنْ كُنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ قُلْتَ: التَّصْدِيقُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّصَوُّرِ، وَالْإِيمَانُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّفَهُّمِ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِذَا لَمْ يَفْهَمِ الْعَبْدُ مَعَانِيَهَا كَيْفَ يَعْتَقِدُ صِدْقَ قَائِلِهَا فِيهَا؟ فَجَوَابُكَ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْأُمُورِ الْجُمْلِيَّةِ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانٍ، وَأَنَّ كُلَّ اسْمٍ فَلَهُ مُسَمًّى إِذَا نَطَقَ بِهِ مَنْ أَرَادَ مُخَاطَبَةَ قَوْمٍ قَصَدَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ صَادِقًا
مُخْبِرًا عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَعْقُولٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أُمُورٌ جُمْلِيَّةٌ غَيْرُ مُفَصَّلَةٍ وَيُمْكِنُ التَّصْدِيقُ، كَمَا إِذَا قَالَ فِي الْبَيْتِ حَيَوَانٌ أَمْكَنَ أَنْ يُصَدَّقَ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ إِنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ غَيْرُهُ، بَلْ لَوْ قَالَ فِيهِ شَيْءٌ أَمْكَنَ تَصْدِيقَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا ذَلِكَ الشَّيْءُ، فَكَذَلِكَ مَنْ سَمِعَ الِاسْتِوَاءَ عَلَى الْعَرْشِ فَهِمَ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ إِلَى الْعَرْشِ فَيُمْكِنُهُ التَّصْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ هِيَ نِسْبَةُ الِاسْتِقْرَارِ عَلَيْهِ أَوِ الْإِقْبَالِ عَلَى خَلْقِهِ أَوْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِالْقَهْرِ أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ مَعَانِي النِّسْبَةِ فَأَمْكَنَ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَإِنْ قُلْتَ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي مُخَاطَبَةِ الْخَلْقِ بِمَا لَا يَفْهَمُونَ؟ فَجَوَابُكَ: أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا الْخِطَابِ تَفْهِيمَ مَنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَهُمُ الْأَوْلِيَاءُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَقَدْ فَهِمُوا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَنْ خَاطَبَ الْعُقَلَاءَ بِكَلَامٍ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِمَا يَفْهَمُ الصِّبْيَانُ وَالْعَوَامُّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 174
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست