responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 173
ذَلِكَ الْمَعْنَى بِاللهِ - تَعَالَى -، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَا يَفْهَمُ كُنْهَ حَقِيقَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفٌ أَصْلًا، فَمَعْرِفَةُ تَأْوِيلِهِ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بَلْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَلَّا يَخُوضَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي.
مِثَالٌ آخَرُ: إِذَا سَمِعَ الصُّورَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَإِنِّي رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الصُّورَةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ فِي أَجْسَامٍ مُؤَلَّفَةٍ مُوَلَّدَةٍ مُرَتَّبَةٍ تَرْتِيبًا مَخْصُوصًا مِثْلَ الْأَنْفِ وَالْعَيْنِ وَالْفَمِ وَالْخَدِّ الَّتِي هِيَ أَجْسَامٌ وَهِيَ لُحُومٌ وَعِظَامٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا هَيْئَةٍ فِي جِسْمٍ، وَلَا هُوَ تَرْتِيبٌ فِي أَجْسَامٍ، كَقَوْلِكَ عَرَفَ صُورَتَهُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، فَلْيَتَحَقَّقْ كُلُّ مُؤْمِنٍ أَنَّ الصُّورَةَ فِي حَقِّ اللهِ لَمْ تُطْلَقْ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ لَحْمِيٌّ وَعَظْمِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ أَنْفٍ وَفَمٍ وَخَدٍّ، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ أَجْسَامٌ وَهَيْئَاتٌ فِي أَجْسَامٍ، وَخَالِقُ الْأَجْسَامِ وَالْهَيْئَاتِ كُلِّهَا مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَتِهَا أَوْ صِفَاتِهَا، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا يَقِينًا فَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِنْ خَطَرَ لَهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ بَلْ أُمِرَ بِأَلَّا يَخُوضَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى يَلِيقُ بِجَلَالِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ مِمَّا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ فِي جِسْمٍ.
مِثَالٌ آخَرُ: إِذَا قَرَعَ سَمْعَهُ النُّزُولُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَنْزِلُ اللهُ - تَعَالَى - فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النُّزُولَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ يُطْلَقُ إِطْلَاقًا يَفْتَقِرُ فِيهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَجْسَامٍ: جِسْمٌ عَالٍ هُوَ مَكَانٌ لِسَاكِنِهِ، وَجِسْمٌ سَافِلٌ كَذَلِكَ، وَجِسْمٌ مُنْتَقِلٌ مِنَ السَّافِلِ إِلَى الْعَالِي وَمِنَ الْعَالِي إِلَى السَّافِلِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى عُلُوٍّ سُمِّيَ صُعُودًا وَعُرُوجًا وَرُقِيًّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ سُمِّيَ نُزُولًا وَهُبُوطًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَلَا يُفْتَقَرُ فِيهِ إِلَى تَقْدِيرِ انْتِقَالٍ وَحَرَكَةٍ فِي جِسْمٍ، كَمَا قَالَ اللهُ - تَعَالَى -: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [39: 6] وَمَا رُؤِيَ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ بِالِانْتِقَالِ، بَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ فِي الْأَرْحَامِ، وَلِإِنْزَالِهَا مَعْنًى لَا مَحَالَةَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: " دَخَلْتُ مِصْرَ فَلَمْ يَفْهَمُوا كَلَامِي، فَنَزَلْتُ ثُمَّ نَزَلْتُ ثُمَّ نَزَلْتُ ". فَلَمْ يُرِدْ بِهِ انْتِقَالَ جَسَدِهِ إِلَى أَسْفَلَ، فَتَحَقَّقَ الْمُؤْمِنُ قَطْعًا أَنَّ النُّزُولَ فِي حَقِّ اللهِ - تَعَالَى - لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ انْتِقَالُ شَخْصٍ وَجَسَدٍ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ
فَإِنَّ الشَّخْصَ وَالْجَسَدَ أَجْسَامٌ، وَالرَّبَّ - جَلَّ جَلَالُهُ - لَيْسَ بِجِسْمٍ، فَإِنْ خَطَرَ لَهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُرِدْ هَذَا فَمَا الَّذِي أَرَادَ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَنْتَ إِذَا عَجَزْتَ عَنْ فَهْمِ نُزُولِ الْبَعِيرِ مِنَ السَّمَاءِ فَأَنْتَ عَنْ فَهْمِ نُزُولِ اللهِ - تَعَالَى - أَعْجَزُ، فَلَيْسَ هَذَا بِوُسْعِكَ فَاتْرُكْهُ، وَاشْتَغِلْ بِعِبَادَتِكَ أَوْ حِرْفَتِكَ وَاسْكُتْ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست