responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 520
ثم قال تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الَّذِينَ قَالُوا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وِلَايَةُ الْمِيرَاثِ قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لَهُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْإِرْثَ كَانَ بِسَبَبِ النُّصْرَةِ وَالْهِجْرَةِ، وَالْآنَ قَدْ صَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا فَلَا يَحْصُلُ الْإِرْثُ إِلَّا بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَقَوْلُهُ: فِي كِتابِ اللَّهِ الْمُرَادُ مِنْهُ السِّهَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَّرُوا تِلْكَ الْآيَةَ بِالنُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ قَالُوا: إِنَّ تِلْكَ الْوِلَايَةَ لَمَّا كَانَتْ مُحْتَمِلَةً لِلْوِلَايَةِ بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِرْثِ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إِزَالَةَ هَذَا الْوَهْمِ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ تَكْثِيرَ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب فقال: قوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْكُلِّ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَحِينَئِذٍ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْإِمَامَةُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مِنْ أُولِي الْأَرْحَامِ لِمَا نُقِلَ أَنَّهُ عَلَيْهِ/ السَّلَامُ أَعْطَاهُ سُورَةَ بَرَاءَةَ لِيُبَلِّغَهَا إِلَى الْقَوْمِ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا خَلْفَهُ وَأَمَرَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغَ هُوَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: «لَا يُؤَدِّيهَا إِلَّا رَجُلٌ مِنِّي» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَا كَانَ مِنْهُ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَالْجَوَابُ: إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ كَانَ الْعَبَّاسُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّه مِنْ عَلِيٍّ.
وَبِهَذَا الْوَجْهِ أَجَابَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ عَنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَمَسَّكَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَةِ، فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأرحام، وأجاب أصحابنا عنه بأن قوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ مُجْمَلٌ فِي الشَّيْءِ الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ، فَلَمَّا قَالَ: فِي كِتابِ اللَّهِ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّه فِي كِتَابِهِ، فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِالْأَحْكَامِ الَّتِي بَيَّنَهَا اللَّه فِي كِتَابِهِ، وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ لَيْسَتْ إِلَّا مِيرَاثَ الْعَصَبَاتِ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْمُجْمَلِ هُوَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّى إِلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
ثُمَّ قَالَ فِي خَتْمِ السُّورَةِ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَفَصَّلْتُهَا كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ وَصَلَاحٌ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْعَالِمَ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ. وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ قَالَ مُجِيبًا لَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ: 30] يَعْنِي لَمَّا عَلِمْتُمْ كَوْنِي عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ حُكْمِي يَكُونُ مُنَزَّهًا عن الغلط كذا هاهنا. واللَّه أَعْلَمُ.
تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ وللَّه الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ، كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ. يَوْمَ الْأَحَدِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا بَغْدَانُ. وَنَسْأَلُ اللَّه الْخَلَاصَ مِنَ الْأَهْوَالِ وَشِدَّةِ الزَّمَانِ، وَكَيْدِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخِذْلَانِ، إِنَّهُ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ. وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى حَبِيبِ الرَّحْمَنِ، مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى صَاحِبِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْبُرْهَانِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 520
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست