responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
   ««اول    «قبلی
   جلد :
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 536
فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
وَهَذَا الْكَلَامُ يُقَوِّي دَاعِيَةَ الْقِتَالِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تَعْدِيدَ الْمُوجِبَاتِ الْقَوِيَّةِ وَتَفْصِيلَهَا مِمَّا يُقَوِّي هَذِهِ الدَّاعِيَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ لِلرَّجُلِ: أَتَخْشَى خَصْمَكَ كَانَ ذَلِكَ تَحْرِيكًا مِنْهُ لِأَنْ يَسْتَنْكِفَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى كَوْنِهِ خَائِفًا مِنْ خَصْمِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ يُفِيدُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ كُنْتَ تَخْشَى أَحَدًا فاللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ لِكَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْقُدْرَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالَةِ، وَالضَّرَرُ الْمُتَوَقَّعُ مِنْهُمْ غَايَتُهُ الْقَتْلُ. أَمَّا الْمُتَوَقَّعُ مِنَ اللَّه فَالْعِقَابُ الشَّدِيدُ فِي الْقِيَامَةِ، وَالذَّمُّ اللَّازِمُ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ: أَنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْأَيْمَانِ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُقْدِمُوا عَلَى هَذِهِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُقْدِمُوا عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى سَبْعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَحْمِلُهُمْ عَلَى مُقَاتَلَةِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ.
بَقِيَ فِي الْآيَةِ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: حَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَهْلِ الْمَعَانِي أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا قُلْتَ لَا تَفْعَلْ كَذَا، فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي فِعْلٍ مُقَدَّرٍ وُجُودُهُ، وَإِذَا قُلْتَ أَلَسْتَ تَفْعَلُ فَإِنَّمَا تَقُولُ ذَلِكَ فِي فِعْلٍ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَا يُنْفَى بِهَا الْمُسْتَقْبَلُ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْأَلِفُ صَارَ تَحْضِيضًا عَلَى فِعْلِ مَا يُسْتَقْبَلُ، وَلَيْسَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ لِنَفْيِ الْحَالِ. فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْأَلِفُ صَارَ لِتَحْقِيقِ الْحَالِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي:
نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً تَرْغِيبٌ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ أَيْ عَهْدَهُمْ، يَعْنِي قُرَيْشًا حِينَ أَعَانُوا بَنِي الدِّيلِ بْنِ بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ خُلَفَاءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَمَرَ اللَّه رَسُولَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ فَيَنْصُرَ خُزَاعَةَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَجَهَّزُوا إِلَى مَكَّةَ وَأَبُو سُفْيَانَ عِنْدَ هِرَقْلَ بِالرُّومِ، فَرَجَعَ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عليه وسلّم يستجير بها فأبت، وقالت ذَلِكَ لِابْنَيْهَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَأَبَيَا، فَخَاطَبَ أَبَا بَكْرٍ فَأَبَى، ثُمَّ خَاطَبَ عُمَرَ فَتَشَدَّدَ، ثُمَّ خَاطَبَ عَلِيًّا فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَجَارَ بِالْعَبَّاسِ وَكَانَ مُصَافِيًا لَهُ فَأَجَارَهُ، وَأَجَارَهُ الرَّسُولُ لِإِجَارَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِيهِ أُبَّهَةٌ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، فَقَالَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَعَادَ إِلَى مَكَّةَ وَنَادَى مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ فَقَامُوا إِلَيْهِ وَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا وَحَصَلَ الْفَتْحُ عِنْدَ ذَلِكَ،
فَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ، وَتَمْيِيزُ حَقِّ هَذَا الْبَابِ مِنْ بَاطِلِهِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْأَخْبَارِ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ كَرِهُوا هَذَا الْقِتَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 216] فَآمَنَهُمُ اللَّه تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ. قَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَحُثُّ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ مَنْ لَا يَكُونُ كَارِهًا لَهُ وَلَا مُقَصِّرًا فِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّحْرِيضِ عَلَىَ الْجِهَادِ لَا يَنْفَعُ إِلَّا وَهُنَاكَ كُرْهٌ لِلْقِتَالِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُثَّ اللَّه تَعَالَى بِهَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجِهَادِ لِكَيْ لَا يَحْصُلَ الْكُرْهُ الَّذِي لَوْلَا هَذَا التَّحْرِيضُ كَانَ يَقَعُ.
الْبَحْثُ الرَّابِعُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْشَى رَبَّهُ، وَأَنْ لَا يخشى أحداً سواه.
تَمَّ الْجُزْءُ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَيَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى الْجُزْءُ السَّادِسَ عَشَرَ، وَأَوَّلُهُ قَوْلُهُ تعالى قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ من سورة التوبة. أعان اللَّه على إكماله
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 536
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
   ««اول    «قبلی
   جلد :
فرمت PDF شناسنامه فهرست