responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 469
وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلُوا قَوْلَهُ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْقِتَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَسَقَطَ هَذَا التَّرْجِيحُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَنَّ اللَّهَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ فِي أَنَّ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا. أَمَّا الْفَتْحُ فَقِيلَ: عَلَى تَقْدِيرِ، وَلِأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وقيل هو معطوف على قوله:
أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ وَأَمَّا الْكَسْرُ فَعَلَى الابتداء. واللَّه أعلم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
اعْلَمْ أنه تعالى لما خاطب المؤمنين بقوله: إِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً [الأنفال: 19] أتبعه بتأديبهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُمْ مَاذَا يَسْمَعُونَ إِلَّا أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا لَمَّا كَانَ وَاقِعًا فِي الْجِهَادِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ دُعَاءَهُ إِلَى الْجِهَادِ، ثُمَّ إِنَّ الْجِهَادَ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمُخَاطَرَةُ بِالنَّفْسِ.
وَالثَّانِي: الْفَوْزُ بِالْأَمْوَالِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْمُخَاطَرَةُ بِالنَّفْسِ شَاقَّةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ تَرْكُ الْمَالِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَخْذِهِ شَاقًّا شَدِيدًا، لَا جَرَمَ بَالَغَ اللَّه تَعَالَى فِي التَّأْدِيبِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْإِجَابَةِ إِلَى الْجِهَادِ، وَفِي الْإِجَابَةِ إِلَى تَرْكِ الْمَالِ إِذَا أَمَرَهُ اللَّه بِتَرْكِهِ وَالْمَقْصُودُ تَقْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: 1] .
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قَالَ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ فَجَعَلَ الْكِنَايَةَ وَاحِدَةً مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللَّه وَرَسُولِهِ.
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّه وَبِطَاعَةِ رَسُولِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلا تَوَلَّوْا لِأَنَّ التَّوَلِّيَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الرَّسُولِ بِأَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ وَعَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ وَعَنْ مَعُونَتِهِ فِي الْجِهَادِ.
ثُمَّ قَالَ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِنْسَانَ/ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبَلَ التَّكْلِيفَ وَأَنْ يَلْتَزِمَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْمَعَهُ، فَجَعَلَ السَّمَاعَ كِنَايَةً عَنِ الْقَبُولِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْمَعْنَى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّا قَبِلْنَا تَكَالِيفَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُمْ بِقُلُوبِهِمْ لَا يَقْبَلُونَهَا.
وَهُوَ صِفَةٌ لِلْمُنَافِقِينَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 14] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّوَابِّ. فَقِيلَ:
شَبَّهَهُمْ بِالدَّوَابِّ لِجَهْلِهِمْ وَعُدُولِهِمْ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَقُولُونَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالصُّمِّ وَالْبُكْمِ وَبِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَقِيلَ: بَلْ هُمْ مِنَ الدَّوَابِّ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَعْرِضِ التَّشْبِيهِ، بَلْ وَصَفَهُمْ بِصِفَةٍ تَلِيقُ بِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الذَّمِّ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ الْكَلَامَ، هُوَ شَبَحٌ وَجَسَدٌ وَطَلَلٌ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 469
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست