responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 404
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ نَبِيًّا، ثُمَّ صَارَ كَافِرًا؟
قُلْنَا: هَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَامِ: 124] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُشَرِّفُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ بِالرِّسَالَةِ، إِلَّا إِذَا عَلِمَ امْتِيَازَهُ عَنْ سَائِرِ الْعَبِيدِ بِمَزِيدِ الشَّرَفِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، وَالْمَنَاقِبِ الْعَظِيمَةِ، فَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ الْكُفْرُ؟
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَفِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: آتَيْناهُ آياتِنا يَعْنِي: عَلَّمْنَاهُ حُجَجَ التَّوْحِيدِ، وَفَهَّمْنَاهُ أَدِلَّتَهُ، حَتَّى صَارَ عَالِمًا بِهَا فَانْسَلَخَ مِنْها أَيْ خَرَجَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّه إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّه إِلَى سُخْطِهِ، وَمَعْنَى انْسَلَخَ: خَرَجَ مِنْهَا. يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ فَارَقَ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ انْسَلَخَ مِنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّه، فَقَالَ قَوْلُهُ: آتَيْناهُ آياتِنا أَيْ بَيَّنَاهَا فَلَمْ يَقْبَلْ وَعَرِيَ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ قَوْلُكَ: انْسَلَخَ، وَعَرِيَ، وَتَبَاعَدَ، وَهَذَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْأَدِلَّةِ، وَأَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النِّسَاءِ:
47] وَقَالَ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى [طه: 56] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَوْصُوفُ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُونَ، فَأَعْرَضَ وَأَبَى، وَكَانَ عَادِيًا ضَالًّا مُتَّبِعًا لِلشَّيْطَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ: هُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، كَانَ عَالِمًا بِدِينِ اللَّه وَتَوْحِيدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَمَّا آتَاهُ اللَّه الدَّلَائِلَ وَالْبَيِّنَاتِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ انْسَلَخَ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي إِنْسَانٍ كَانَ عَالِمًا بِدِينِ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ كُفَّارَ الْإِنْسِ وَغُوَاتَهُمْ، أَيِ الشَّيْطَانُ جَعَلَ كُفَّارَ الْإِنْسِ أَتْبَاعًا لَهُ. وَالثَّانِي: قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مُسْلِمٍ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ أَيْ أَدْرَكَهُ. يُقَالُ: أَتْبَعْتُ الْقَوْمَ. أَيْ لَحِقْتُهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَيُقَالُ: أَتْبَعْتُ الْقَوْمَ، مِثَالُ: أَفْعَلْتُ إِذَا كَانُوا قَدْ سَبَقُوكَ فَلَحِقْتَهُمْ. وَيُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى أَتْبَعْتُهُمْ. أَيْ حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ. وَقَوْلُهُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ أَيْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَكَانَ مِنَ الظَّالِمِينَ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ مَنْ أُوتِيَ الْهُدَى، فَانْسَلَخَ مِنْهُ إِلَى الضَّلَالِ وَالْهَوَى وَالْعَمَى، وَمَالَ إِلَى الدُّنْيَا، حَتَّى تَلَاعَبَ بِهِ الشَّيْطَانُ كَانَ مُنْتَهَاهُ إِلَى الْبَوَارِ وَالرَّدَى، وَخَابَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، فَذَكَرَ اللَّه قِصَّتَهُ لِيَحْذَرَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ حَالَتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ: وَلَوْ شِئْنَا رَفَعْنَاهُ لِلْعَمَلِ بِهَا، فَكَانَ يَرْفَعُ بِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَنْزِلَتَهُ، وَلَفْظَةُ (لَوْ) تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ لَا يُرِيدُ الْإِيمَانَ، وَقَدْ يُرِيدُ الْكُفْرَ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَفْظُ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخْرَى سِوَى هَذَا الْوَجْهِ. فَالْأَوَّلُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ مَعْنَاهُ: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِأَعْمَالِهِ، بِأَنْ نُكْرِمَهُ، وَنُزِيلَ التَّكْلِيفَ عَنْهُ، قَبْلَ ذَلِكَ الْكُفْرِ حَتَّى نُسَلِّمَ لَهُ الرِّفْعَةَ، لَكِنَّا رَفَعْنَاهُ بِزِيَادَةِ التَّكْلِيفِ بِمَنْزِلَةٍ زَائِدَةٍ، فَأَبَى أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِيمَانِ. الثَّانِي: لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ، بِأَنْ نَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، قَهْرًا وَجَبْرًا، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي التَّكْلِيفَ. فَلَا جَرَمَ تَرَكْنَاهُ مَعَ اخْتِيَارِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ حَمْلَ الرِّفْعَةِ عَلَى الإماتة بَعِيدٌ، وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا مَنَعَهُ مِنْهُ قَهْرًا، لَمْ يَكُنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست