responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 378
وَأَمَّا قَوْلُهُ: تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: تَهْدِي بِهَذَا الِامْتِحَانِ إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ بِشَرْطِ أَنْ يُؤْمِنَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ وَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ، وَتُعَاقِبُ مَنْ تَشَاءُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْمِنَ، أَوْ إِنْ آمَنَ لَكِنْ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِضْلَالِ الْإِهْلَاكَ، وَالتَّقْدِيرُ: تُهْلِكُ مَنْ تَشَاءُ بِهَذِهِ الرَّجْفَةِ وَتَصْرِفُهَا عَمَّنْ تَشَاءُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الِامْتِحَانُ كَالسَّبَبِ فِي هِدَايَةِ مَنِ اهْتَدَى، وَضَلَالِ مَنْ ضَلَّ، جَازَ أَنْ يُضَافَا إِلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مُتَّسِعَةٌ، وَالدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَقْرِيرُهَا مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُدْرَةَ الصَّالِحَةَ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ لَا يَتَرَجَّحُ تَأْثِيرُهَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى تَأْثِيرِهَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، إِلَّا لِأَجْلِ دَاعِيَةٍ مُرَجَّحَةٍ، وَخَالِقُ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ هُوَ اللَّه تَعَالَى، وَعِنْدَ حُصُولِ تِلْكَ الداعية يجب الفعل وإذا ثبتت هذا الْمُقَدِّمَاتُ ثَبَتَ أَنَّ الْهِدَايَةَ مِنَ اللَّه تَعَالَى وَأَنَّ الْإِضْلَالَ مِنَ اللَّه تَعَالَى. الثَّانِي: أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الْإِيمَانَ وَالْحَقَّ وَالصِّدْقَ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مُؤْمِنًا مُحِقًّا، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّه تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ الْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ فَمَا لَمْ يَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ الِاعْتِقَادُ الْحَقُّ عَنِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، امْتَنَعَ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَ الِاعْتِقَادَيْنِ بِالتَّحْصِيلِ وَالتَّكْوِينِ، لَكِنَّ عِلْمَهُ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْبَاطِلُ، يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِذَلِكَ الْمُعْتَقَدِ أَوَّلًا كَمَا هُوَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الِاعْتِقَادِ مَشْرُوطَةً بِكَوْنِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ حَاصِلًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَ الشَّيْءِ مَشْرُوطًا بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ/ يَكُونَ حُصُولُ الْهِدَايَةِ وَالْعِلْمِ بِتَخْلِيقِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي إِبْطَالِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ غَيْرَ مَرَّةٍ. واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ وَلِيُّنا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَنَا وَلَا نَاصِرَ وَلَا هَادِيَ إِلَّا أَنْتَ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ: تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ وَقَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ، فَطَلَبَ مِنَ اللَّه غُفْرَانَهَا وَالتَّجَاوُزَ عَنْهَا وَقَوْلُهُ: وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَاكَ فَإِنَّمَا يَتَجَاوَزُ عَنِ الذَّنْبِ إِمَّا طَلَبًا لِلثَّنَاءِ الْجَمِيلِ أَوْ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ، أَوْ دَفْعًا لِلرِّبْقَةِ الْخَسِيسَةِ عَنِ الْقَلْبِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَذَلِكَ الْغُفْرَانُ يَكُونُ لِطَلَبِ نَفْعٍ أَوْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، أَمَّا أَنْتَ فَتَغْفِرُ ذُنُوبَ عِبَادِكَ لَا لِطَلَبِ عِوَضٍ وَغَرَضٍ، بَلْ لِمَحْضِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ خَيْرُ الْغافِرِينَ واللَّه أعلم.

[سورة الأعراف (7) : آية 156]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُعَاءِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الرَّجْفَةِ. فَقَوْلُهُ: وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَرَّرَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ وَلِيُّنا ثُمَّ إِنَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنَ الْوَلِيِّ وَالنَّاصِرِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: دَفْعُ الضَّرَرِ. وَالثَّانِي: تَحْصِيلُ النَّفْعِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَحْصِيلِ النَّفْعِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ بَدَأَ بِطَلَبِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِطَلَبِ تَحْصِيلِ النَّفْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: وَاكْتُبْ أي وجب لَنَا وَالْكِتَابَةُ تُذْكَرُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ وَسُؤَالُهُ الْحَسَنَةَ في
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 378
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست