responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 135
[سورة الأنعام (6) : آية 123]
وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123)
فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: «الْكَافُ» فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ يُوجِبُ التَّشْبِيهَ وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَكَمَا جَعَلْنَا فِي مَكَّةَ صَنَادِيدَهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا كَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَيْ كَمَا زَيَّنَا لِلْكَافِرِينَ أَعْمَالَهُمْ كَذَلِكَ جَعَلْنَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَكَابِرُ جَمْعُ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ وَالْآيَةُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ تَقْدِيرُهُ: جَعَلْنَا مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَكَابِرُ مُضَافَةً فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْمَعْنَى وَيَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِلْجَعْلِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: جَعَلْتُ زَيْدًا وَسَكَتَّ لَمْ يُفِدِ الْكَلَامُ حَتَّى تَقُولَ رَئِيسًا أَوْ ذَلِيلًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ الْجَعْلِ مَفْعُولَيْنِ وَلِأَنَّكَ إِذَا أَضَفْتَ الْأَكَابِرَ فَقَدْ أَضَفْتَ الصِّفَةَ إِلَى الْمَوْصُوفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَمْكُرُوا بِالنَّاسِ فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَجَابَ الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ: بِأَنَّ حَمْلَ هَذِهِ اللَّامِ عَلَى لَامِ الْعَاقِبَةِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يَمْنَعُهُمْ عَنِ الْمَكْرِ صَارَ شَبِيهًا بِمَا إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ فَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ وَهَذَا السُّؤَالُ مَعَ جَوَابِهِ قَدْ تَكَرَّرَ مِرَارًا خَارِجَةً عَنِ الْحَدِّ وَالْحَصْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا جَعَلَ الْمُجْرِمِينَ أَكَابِرَ لِأَنَّهُمْ لِأَجْلِ رئاستهم أَقْدَرُ عَلَى الْغَدْرِ وَالْمَكْرِ وَتَرْوِيجِ الْأَبَاطِيلِ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ وَقُوَّةَ الْجَاهِ تَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي حِفْظِهِمَا وَذَلِكَ الْحِفْظُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِجَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ مِنَ الْغَدْرِ وَالْمَكْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ وَالْجَاهِ عَيْبٌ سِوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَجَاهٌ لَكَفَى ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى خَسَاسَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فَاطِرٍ: 43] وَقَدْ ذَكَرْنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الْبَقَرَةِ: 15] قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ فَلَوْ كَانَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَمْكُرُوا بِالنَّاسِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الْكَرِيمِ الْحَكِيمِ الْحَلِيمِ أَنْ يُرِيدَ مِنْهُمُ الْمَكْرَ وَيَخْلُقَ فِيهِمُ الْمَكْرَ ثُمَّ يُهَدِّدُهُمْ عَلَيْهِ وَيُعَاقِبُهُمْ أَشَدَّ الْعِقَابِ عَلَيْهِ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ مُعَارَضَةَ هَذَا الْكَلَامِ/ بِالْوُجُوهِ الْمَشْهُورَةِ قد ذكرناها مرارا.

[سورة الأنعام (6) : آية 124]
وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ مَكْرِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَحَسَدِهِمْ أَنَّهُمْ مَتَى ظَهَرَتْ لَهُمْ مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 135
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست