responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 221
وَالتُّكْلَةِ والتؤدة وَالتُّخْمَةِ إِذْ لَا وَجْهَ لِإِبْدَالِ الْفَاءِ تَاءً فِي مِثْلِ تُقَاةٍ إِلَّا هَذَا. وَشَذَّ تُرَاثٌ. يَدُلُّ لِهَذَا الْمَقْصِدِ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: «وَقَوْلُهُمْ تُجَاهَكَ بُنِيَ عَلَى قَوْلِهِمُ اتَّجَهَ لَهُمْ رَأْيٌ» . وَفِي «اللِّسَانِ» فِي تُخْمَةٍ، «لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا التَّاءَ أَصْلِيَّةً لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ» . وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَرْنُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَعَ أَفْعَالِهَا فِي نَحْوِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَحْوِ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمرَان: 102] وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً بِوَزْنِ فَعِيلَةٍ.
وَفَائِدَةُ التَّأْكِيدِ بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ هُنَا: الْإِشَارَةُ إِلَى تَحَقُّقِ كَوْنِ الْحَالَةِ حَالَةَ تَقِيَّةٍ، وَهَذِهِ التَّقِيَّةُ مِثْلُ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا لِلْهِجْرَةِ، قَالَ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النَّحْل: 106] وَمِثْلُ الْحَالَةِ الَّتِي لَقِيَهَا مُسْلِمُو الْأَنْدَلُسِ حِينَ أَكْرَهَهُمُ النَّصَارَى عَلَى الْكُفْرِ فَتَظَاهَرُوا بِهِ إِلَى أَنْ تَمَكَّنَتْ طَوَائِفُ مِنْهُمْ مِنَ الْفِرَارِ، وَطَوَائِفُ مِنِ اسْتِئْذَانِ الْكُفَّارِ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَذِنَ لَهُمُ الْعَدُوُّ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ التُّقَاةُ غَيْرَ دَائِمَةٍ لِأَنَّهَا إِذَا طَالَتْ دَخَلَ الْكُفْرُ فِي الذَّرَارِي.
وَقَوْلُهُ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ تَحْذِيرٌ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَمِنَ التَّسَاهُلِ فِي دَعْوَى التَّقِيَّةِ وَاسْتِمْرَارِهَا أَوْ طُولِ زَمَانِهَا.
وَانْتِصَابُ نَفْسَهُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَأَصْلُهُ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا النَّزْعُ هُوَ أَصْلُ انْتِصَابِ الِاسْمَيْنِ فِي بَابِ التَّحْذِيرِ فِي قَوْلِهِمْ إِيَّاكَ الْأَسَدَ، وَأَصْلُهُ أُحَذِّرُكَ مِنَ الْأَسَدِ.
وَقَدْ جُعِلَ التَّحْذِيرُ هُنَا مِنْ نَفْسِ اللَّهِ أَيْ ذَاتِهِ لِيَكُونَ أَعَمَّ فِي الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ غَضَبَهُ لَتُوُهِّمَ أَنَّ لِلَّهِ رِضًا لَا يَضُرُّ مَعَهُ، تَعَمُّدُ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ، وَالْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتْ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ الذَّاتِ عَلَّقَتِ الْحُكْمَ بِالذَّاتِ: كَقَوْلِهِمْ لَوْلَا فُلَانٌ لَهَلَكَ فُلَانٌ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الْفَتْح: 25] وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَعْلِيقُ شَرْطِ لَوْلَا عَلَى الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الَّذِي سَوَّغَ حَذْفَ الْخَبَرِ بَعْدَ لَوْلَا.
وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَى صِحَّةِ إِطْلَاقِ النَّفْسِ مُضَافًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعُقُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [الْمَائِدَة: 116] .
وَهَذَا إِعْذَارٌ وَمَوْعِظَةٌ وَتَهْدِيدٌ بِالْعِقَابِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست