responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 103
أَسْبَابَ عِلْمِهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الشُّكْرُ بِأَنْ يَكْتُبَ مَا فِيهِ حِفْظُ الْحَقِّ وَلَا يُقَصِّرُ وَلَا يُدَلِّسُ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ التَّشْبِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [الْقَصَص: 77] وَقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [الْبَقَرَة: 198] .
وَالْكَافُ عَلَى هَذَا إِمَّا نَائِبَةٌ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ أَوْ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ بِهِ مَحْذُوفٍ عَلَى تَأْوِيلِ مَصْدَرِ فِعْلِ أَنْ يَكْتُبَ بِالْمَكْتُوبِ، وَ (مَا) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَصْدَرِيَّةٌ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَكْتُبَ، وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» تَعْلِيقَهُ بِقَوْلِهِ فَلْيَكْتُبْ فَهُوَ وَجْهٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَلْيَكْتُبْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلا يَأْبَ كاتِبٌ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى النَّهْيِ وَتَكْرِيرٌ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَاكْتُبُوهُ، فَهُوَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْأَمْرِ وَتَأْكِيدَ النَّهْيِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا
أُعِيدَ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لِبُعْدِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِمَا وَلِيَهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: اتَّخَذُوهُ [الْأَعْرَاف: 148] بَعْدَ قَوْلِهِ: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً [الْأَعْرَاف: 148] الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَمَلَّ وَأَمْلَى لُغَتَانِ: فَالْأُولَى لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ، وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِمَا قَالَ تَعَالَى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَقَالَ: فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الْفرْقَان: 5] ، قَالُوا وَالْأَصْلُ هُوَ أَمْلَلَ ثُمَّ أُبْدِلَتِ اللَّامُ يَاءً لِأَنَّهَا أَخَفُّ أَيْ عَكْسُ مَا فَعَلُوا فِي قَوْلِهِمْ تَقَضَّى الْبَازِيُّ إِذْ أَصْلُهُ تَقَضَّضَ.
وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ أَنْ يُلْقِيَ كَلَامًا عَلَى سَامِعِهِ لِيَكْتُبَهُ عَنْهُ، هَكَذَا فَسَّرَهُ فِي «اللّسان» و «الْقَامُوس» . وَهُوَ مَقْصُور فِي التَّفْسِيرِ أَحْسَبُ أَنَّهُ نَشَأَ عَنْ حَصْرِ نَظَرِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَارِدَةِ فِي غَرَضِ الْكِتَابَةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [5] : فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا تَشْهَدُ بِأَنَّ الْإِمْلَاءَ وَالْإِمْلَالَ يَكُونَانِ لِغَرَضِ الْكِتَابَةِ وَلِغَرَضِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ كَمَا فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ، وَلِغَرَضِ الْحِفْظِ كَمَا يُقَالُ مَلَّ الْمُؤَدِّبُ عَلَى الصَّبِيِّ لِلْحِفْظِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ تَحْفِيظِ الْعُمْيَانِ. فَتَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُفَسَّرَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ بِإِلْقَاءِ كَلَامٍ لِيُكْتَبَ عَنْهُ أَوْ لِيُرْوَى أَوْ لِيُحْفَظَ، وَالْحق هُنَا مَا حَقَّ أَيْ ثَبَتَ لِلدَّائِنِ.
وَفِي هَذَا الْأَمْرِ عِبْرَةٌ لِلشُّهُودِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُونَ فِي شُرُوطِ الْحُبْسِ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يُمْلِلْهُ عَلَيْهِمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ قَدْ فَوَّضَ إِلَى الشَّاهِدِ الْإِحَاطَةَ بِمَا فِيهِ تَوَثُّقُهُ لِحَقِّهِ أَوْ أَوْقَفَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِهِ عَلَى السَّدَارَةِ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست