responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 54
فَالْجُمْلَةُ الْأُولَى: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَدْخَلَتْ كُلَّ مَوْجُودٍ فِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ وَلِيُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ فَهِيَ مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَلَوْ كَانَ خَالِقَ نَفْسِهِ أَوْ صِفَاتِهِ لَزِمَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ هُوَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِالدَّوْرِ فِي الْحِكْمَةِ، وَاسْتِحَالَتُهُ عَقْلِيَّةٌ، فَخَصَّ هَذَا الْعُمُومَ الْعَقْلُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا إِثْبَاتُ حَقِيقَةٍ، وَإِلْزَامُ النَّاسِ بِتَوْحِيدِهِ لِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا قَصْدُ ثَنَاءٍ وَلَا تَعَاظُمٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ تَذْكِيرُ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ جَمِيعًا هُمْ وَمَا مَعَهُمْ عَبِيدٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَّةٌ عَلَيْهِمْ بِالْإِيجَادِ.
الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ وَجِيءَ بِهَا مَعْطُوفَةً لِأَنَّ مَدْلُولَهَا مُغَايِرٌ لِمَدْلُولِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْوَكِيلُ الْمُتَصَرِّفُ فِي شَيْءٍ بِدُونِ تَعَقُّبٍ وَلَمَّا لَمْ يُعَلَّقْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ شَيْءٌ عُلِمَ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ جِنْسُ التَّصَرُّفِ وَحَقِيقَتُهُ الَّتِي تَعُمُّ جَمِيعَ أَفْرَادِ مَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ، فَعَمَّ تَصَرُّفُهُ أَحْوَالَ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ تَقْدِيرِ الْأَعْمَالِ وَالْآجَالِ وَالْحَرَكَاتِ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَقْتَضِي الِاحْتِيَاجَ إِلَيْهِ بِالْإِمْدَادِ فَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَوَجَدَهُمْ لَمْ يَسْتَغْنُوا عَنْهُ لَمْحَةً مَا.
الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَجِيءَ بِهَا مَفْصُولَةً لِأَنَّهَا تُفِيدُ بَيَانَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ.
وَالْمَقَالِيدُ: جَمَعَ إِقْلِيدٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهَذَا جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَإِقْلِيدٌ قِيلَ مُعَرَّبٌ عَنِ الْفَارِسِيَّةِ، وَأَصْلُهُ (كِلِيدٌ) قِيلَ مِنَ الرُّومِيَّةِ وَأَصْلُهُ (إِقْلِيدِسُ) وَقيل كلمة يَمَانِية وَهُوَ مِمَّا تَقَارَبَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِ ذَخَائِرِهَا، فَذَخَائِرُ الْأَرْضِ عَنَاصِرُهَا وَمَعَادِنُهَا وَكَيْفِيَّاتُ أَجْوَائِهَا وَبِحَارِهَا، وَذَخَائِرُ السَّمَاوَاتِ سَيْرُ كَوَاكِبِهَا وَتَصَرُّفَاتُ أَرْوَاحِهَا فِي عَوَالِمِهَا وَعَوَالِمِنَا وَمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْعَنَاصِرُ وَالْقُوَى شَدِيدَةُ النَّفْعِ لِلنَّاسِ وَكَانَ النَّاسُ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهَا شُبِّهَتْ بِنَفَائِسَ الْمَخْزُونَاتِ فَصَحَّ
أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمَقَالِيدُ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً، وَهِيَ أَيْضًا اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ التَّكْوِينِيِّ وَالتَّسْخِيرِيِّ الَّذِي يَفِيضُ بِهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ تِلْكَ الذَّخَائِرِ الْمُدَّخَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الْحجر: 21] .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 24  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست